الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في صلاة التطوع بعد صلاة العصر

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في صلاة التطوع بعد صلاة العصر، فرخصت طائفة أن يصلى بعد صلاة العصر، وروينا عن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] أنه قال: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس [ ص: 93 ] ولا غروبها. وروينا عن [علي] أنه دخل فسطاطه بعد العصر، فصلى ركعتين. وروي هذا المعنى عن الزبير، و[عبد الله] ابن الزبير ، وتميم الداري ، والنعمان بن بشير، وعائشة [أم المؤمنين]، وأبي أيوب الأنصاري .

                                                                                                                                                                              1090 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: نا أحمد بن يونس ، قال: نا زهير ، قال: نا أبو إسحاق ، قال: حدثني عاصم بن ضمرة : أن عليا صلى وهو منطلق إلى صفين العصر ركعتين، ثم دخل فسطاطه، فصلى ركعتين، فلم أره صلاها بعد.

                                                                                                                                                                              1091 - حدثنا علي، قال: نا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أن ابن عمر ، كان يقول: كان عمر بن الخطاب يقول: "لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإن الشيطان تطلع قرناه مع طلوع الشمس، ويغربان مع غروبها"، وكان يضرب الناس على تلك الصلاة.

                                                                                                                                                                              1092 - وحدثونا عن أبي قدامة، قال: نا يحيى، عن شعبة ، قال: حدثني يزيد بن خمير، عن عبد الله بن زائد - أو يزيد - عن جبير بن نفير، أن عمر كتب إلى عمير بن سعد ينهى الناس عن الركعتين بعد [ ص: 94 ] العصر، فقال أبو الدرداء : "أما أنا فلا أدعهما".

                                                                                                                                                                              1093 - حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: نا عفان، قال: نا حماد، قال: أخبرنا هشام بن عروة ، عن أبيه، عن تميم الداري ، " أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين، وزعم أن الزبير وعبد الله بن الزبير كانا يصليان بعد العصر ركعتين.

                                                                                                                                                                              1094 - وحدثونا عن بندار قال: نا محمد قال: نا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال: سألت أبا جحيفة عن ركعتين بعد العصر. فقال: "إن لم تنفعا لم تضرا".

                                                                                                                                                                              1095 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: نا حجاج، قال: نا حماد، عن علي بن زيد وحميد، عن طلق بن حبيب، عن حية بنت المطلب، أن عائشة ، كانت تصلي ركعتين وهي قائمة، وكانت أم سلمة تصلي أربع ركعات وهي قاعدة، فقيل لها: إن عائشة تصلي ركعتين وهي قائمة، فقالت: "إن عائشة شابة، فتصلي ركعتين وهي قائمة، وأنا عجوز فأصلي أربع ركعات تمام ركعتيها". [ ص: 95 ]

                                                                                                                                                                              1096 - حدثنا علي، قال: نا حجاج، قال: نا حماد، عن عطاء بن السائب ، أن سعيد بن جبير ، قال: رأيت عائشة تصلي بعد العصر ركعتين وهي قائمة، وكانت ميمونة تصلي أربعا وهي قاعدة. فذكر نحوه.

                                                                                                                                                                              1097 - وحدثونا عن الرمادي، قال: نا الأسود بن عامر ، قال: نا شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن حبيب، - كاتب النعمان بن بشير - قال: كان النعمان بن بشير يصلي بعد العصر ركعتين.

                                                                                                                                                                              1098 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس، عن أبيه، أن أبا أيوب، كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر، فلما استخلف عمر [تركهما]، فلما توفي عمر ركعهما.

                                                                                                                                                                              1099 - حدثنا إسحاق عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن نافع قال: كان ابن عمر يقول: "فأما أنا فإنما أصلي كما رأيت أصحابي يصلون، وأما أنا فلا أنهى أحدا أن يصلي من ليل أو نهار غير أني لا أتحرى طلوع الشمس ولا غروبها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك".

                                                                                                                                                                              وفعل ذلك الأسود بن يزيد ، وعمرو بن ميمون، ومسروق، وشريح، وعبد الله بن [أبي] الهذيل ، وأبو بردة، وعبد الرحمن بن الأسود ، [ ص: 96 ] وعبد الرحمن بن البيلماني، والأحنف بن قيس.

                                                                                                                                                                              قال أحمد بن حنبل في التطوع بعد صلاة العصر: لا نفعله، ولا نعيب فاعلا، وكذلك قال أبو خيثمة ، وأبو أيوب.

                                                                                                                                                                              وقال بعض أهل العلم معنى قوله: "لا صلاة بعد صلاة العصر" إنما هو لا صلاة بعد مضي آخر وقته، وآخر وقته اصفرار الشمس؛ لأن للناس أن يتطوعوا بعد صلاة العصر ما داموا في وقتها، فإذا خشوا فوات الوقت لم يجز لهم أن يتشاغلوا بغير الفرض؛ لئلا يفوتهم الواجب، فلو أن رجلين صلى أحدهما العصر في أول الوقت وأخرها الآخر عن أول الوقت، يكره للذي صلى العصر في أول الوقت أن يتطوع بعدها للمعنى الذي كرهها له عمر؛ وذلك لئلا يداوم عليها حتى يأتي الوقت المنهي عن الصلاة فيه، ولم يكره للذي لم يصل العصر أن يتطوع قبلها إذا كانت الشمس بيضاء، فهذا يدل على أن التطوع غير مكروه والشمس بيضاء، ولو كان ذلك مكروها لكره للرجلين، والله أعلم.

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: لا يجوز إلا أن يكون نهيه عن الصلاة في الساعات التي نهى عنها على ما وصفت في كل صلاة لا يلزم، وكل صلاة كان صاحبها يصليها فأغفلها، وكل صلاة أكدت، وإن لم يكن فرضا كركعتي الفجر، وإجماع المسلمين في الصلاة على الجنائز بعد العصر وبعد الصبح، وذكر حديث أم سلمة في الركعتين اللتين صلاهما [ ص: 97 ] النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر كان يصليهما بعد الظهر، وذكر الصلاة للطواف، وركعتي الفجر بعد صلاة الصبح، وجعل الشافعي النهي فيما سوى ما ذكرناه.

                                                                                                                                                                              وكان أحمد وإسحاق يقولان: لا يصلي بعد العصر إلا صلاة فاتته، أو على الجنازة إلى أن تدخل الشمس للغيبوبة، وقال أبو ثور: لا يصلي رجل [تطوعا] بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس، ولا إذا قامت الشمس إلى أن تزول، ولا بعد العصر حتى تغرب، إلا صلاة فائتة أو على جنازة أو على أثر طواف أو صلاة لبعض الآيات، وكلما يلزم من الصلوات فلا بأس أن تصلي في هذه الأوقات.

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: يصلي كل وقت ما خلا الأربع ساعات، إذا طلعت الشمس إلى أن ترتفع، وإذا انتصف النهار إلى أن تزول الشمس، وإذا احمرت الشمس إلى أن تغيب، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وأكثر من رأيت ممن كان يشدد ويمنع من الصلاة بعد العصر إنما يحتج بأن عمر كان يمنع الناس من ذلك، وقد ثبت عن ابن عمر أن عمر إنما كان يقول: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها. والدليل على أن هذا كان مذهبه حديث [ زيد] بن خالد . [ ص: 98 ]

                                                                                                                                                                              1100 - حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: نا حجاج، قال ابن جريج : سمعت أبا سعيد الأعمى يخبر، عن رجل، يقال له: السائب مولى الفارسي، عن زيد بن خالد الجهني ، أنه رآه عمر بن الخطاب وهو خليفة، ركع ركعتين بعد العصر، فمشى إليه حتى ضربه بالدرة وهو يصلي كما هو، فلما انصرف قال: زدنا يا أمير المؤمنين فوالله لا أدعهما بعد إذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما، فجلس إليه عمر فقال: "يا زيد بن خالد ، لولا أن أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: [ففي هذا بيان معنى نهي عمر] وأنه إنما نهى أن يتخذها الناس سلما إلى الوقت المنهي عنه، وهذا موافق لما رواه ابن عمر عنه من نهيه أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها بالصلاة.

                                                                                                                                                                              1101 - [ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا عفان، ثنا وهيب، ثنا عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: أوهم عمر ، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى بالصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها]. [ ص: 99 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية