الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              [ذكر أذان سعد القرظ ]

                                                                                                                                                                              1161 - أخبرنا حاتم بن منصور، أن الحميدي حدثهم، قال: نا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد بن عائذ القرظ، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عمار، [و] عمار وعمر ابنا حفص بن عمر بن سعد، عن عمار، عن أبيه سعد القرظ أنه سمعه يقول: " إن هذا الأذان أذان بلال الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقامته: [وهو] الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله ثم يرجع؛ فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والإقامة واحدة واحدة يقول: قد قامت الصلاة مرة واحدة، قال: وكان إذا جاء قباء يؤذن له بلال، فجاء يوما ليس معه بلال، قال سعد بن عائذ: فرقيت في عذق، فأذنت فاجتمع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصبت يا سعد، إذا لم تر بلالا معي فأذن"، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، وقال: "بارك الله فيك يا سعد"، فأذن سعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء ثلاث مرات، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث، قال: فقال عمر، - يعني لبلال - : فإلى من أدفع الأذان قال: إلى سعد فإنه قد أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء فدعا عمر سعدا فقال [له]: الأذان إليك [ ص: 147 ] وإلى عقبك من بعدك، وأعطاه عمر العنزة التي كان يحمل بلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: امش [بها] بين يدي كما كان بلال يمشي بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تركزها بالمصلى حيث أصلي بالناس، ففعل، قال عبد الرحمن: فلم يزل يفعل ذلك [أولادنا] حتى اليوم.

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في سنة الأذان، فقال مالك، والشافعي ومن تبعهما من أهل الحجاز : الأذان أذان أبي محذورة، لم يختلفا في ذلك إلا في أول الأذان، فإن مالكا كان يرى أن يقال: الله أكبر (الله أكبر) مرتين، والشافعي يرى أن يكبر المؤذن في أول الأذان أربعا، يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، واتفقا في سائر الأذان.

                                                                                                                                                                              وحجتهما في ذلك الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه أبا محذورة الأذان، وقال قائلهم: أمر الأذان من الأمور المشهورة التي يستغنى بشهرتها بالحجاز يتوارثونه قرنا عن قرن، يأخذه الأصاغر عن الأكابر، وليس يجوز أن يعترض عليهم في الأذان، وهو ينادى بين أظهرهم في كل يوم وليلة خمس مرات، ولو جاز ذلك لجاز الاعتراض [ ص: 148 ] عليهم في معرفة الصفا والمروة، ومنى، وعرفة، ومزدلفة وموضع الوقوف بعرفة ، مع أن الأذان كذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلافة أبي بكر وعمر [رحمة الله عليها ورضوانه] لا يختلف أهل الحرمين فيه، وغير جائز أن يجعل اعتراض من اعترض من أهل العراق حجة على أهل الحجاز ، وكيف يجوز أن يكون الآخر حجة على الأول وعنه أخذ العلم، وقد كان [الأذان بالحجاز] ولا إسلام بالعراق، (وحكاية) أبي محذورة بعد خبر عبد الله بن زيد بزمان؛ لأنه يخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه إياه عام حنين ، والمتأخر هو الناسخ لما تقدم، والآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من الأول.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد كان أحمد بن حنبل يميل إلى أذان بلال، فقيل له: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد ؟ قال: أليس قد رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقر بلالا على أذان عبد الله بن زيد ؟.

                                                                                                                                                                              وقال آخر من أصحابنا: هذا من أبواب الإباحة، إن شاء المؤذن أذن كأذان أبي محذورة وثنى الإقامة، وإن شاء أن يثني الأذان ويوتر الإقامة فعل؛ لأن الأخبار قد ثبتت بذلك.

                                                                                                                                                                              وقال آخر كما قال، وقال: كما من شاء توضأ ثلاثا ثلاثا، ومن شاء توضأ مرتين مرتين، وقد أجاب أحمد بن حنبل بمثل هذا المعنى ووافقه [ ص: 149 ] عليه إسحاق، وقال أحمد : إن رجع فلا بأس، وإن يرجع فلا بأس. وقال إسحاق: ثبت عن بلال وأبي محذورة أذانهما، وكل سنة فهما مستعملان جميعا، والذي نختار أذان بلال.

                                                                                                                                                                              فأما سفيان الثوري ، وأصحاب الرأي فمذهبهم في الأذان أنه مثنى مثنى على حديث عبد الله بن زيد ، وكذلك قولهم في الإقامة إنها مثنى مثنى.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية