الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر النفخ في الصلاة

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل ينفخ في صلاته، فكرهت ذلك طائفة ولم توجب على من نفخ إعادة، روينا عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لأن أسجد على جمرة أحب إلي [من] أن أنفخ ثم أسجد، وروينا عن ابن عباس أنه قال: لا تمسح جبهتك وأنت في الصلاة، ولا تنفخ حتى تفرغ.

                                                                                                                                                                              1575 - حدثنا محمد بن علي ، قال: نا سعيد بن منصور ، قال: نا أبو معاوية ، قال: نا أبو إسحاق الشيباني ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، قال: قال ابن مسعود : لأن أسجد على جمرة أحب إلي من أن أنفخ ثم أسجد. [ ص: 429 ]

                                                                                                                                                                              1576 - وحدثنا قطن بن إبراهيم، قال: نا عبيد الله بن موسى ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال: لا تمسح جبهتك وأنت في الصلاة، ولا تنفخ حتى تفرغ من صلاتك.

                                                                                                                                                                              وممن كره النفخ في الصلاة ولم يوجب [عليه] إعادة: النخعي، وابن سيرين، ويحيى بن أبي كثير ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق . وقال النخعي: إنما [كره] النفخ في الصلاة كراهية أن يؤذي من إلى جانبه في الصلاة.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: النفخ في الصلاة بمنزلة الكلام، وروي هذا القول عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وسعيد بن جبير.

                                                                                                                                                                              1577 - حدثنا يحيى، قال: نا الحجبي، قال: نا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى، قال: قال ابن عباس : النفخ في الصلاة بمنزلة الكلام.

                                                                                                                                                                              1578 - حدثنا موسى، قال: نا أبو بكر، قال: نا محمد بن فضيل ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: النفخ في الصلاة يقطع الصلاة. [ ص: 430 ]

                                                                                                                                                                              1579 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال: النفخ في الصلاة كلام.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أن النفخ إن كان نفخا يسمع فهو بمنزلة الكلام، وهو يقطع الصلاة، هذا قول النعمان ومحمد، وكان يعقوب يقول: لا يقطع إلا أن يريد [به] التأفيف، ثم رجع فقال: صلاته تامة.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: واحتج بعض من لا يوجب الإعادة على من نفخ في صلاته بحديث عبد الله بن عمرو .

                                                                                                                                                                              1580 - حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: نا أبو غسان، قال: نا مسعود بن سعد الجعفي، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام وقمنا.. فذكر الحديث، [قال:] حتى لما كان في آخر سجدة، جعل ينفخ في الأرض ويبكي ويقول: "اللهم لم تعدني بهذا وأنا فيهم، ولم تعدني هذا ونحن نستغفرك"، ثم رفع رأسه، وانجلت الشمس.

                                                                                                                                                                              1581 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: نا حجاج، قال: نا حماد، قال: نا أبو حمزة ، عن أبي صالح ، عن أم سلمة ، أنها رأت نسيبا لها ينفخ [ ص: 431 ] إذا أراد أن يسجد، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لغلام (لنا) يقال له رباح: "يا رباح، ترب وجهك".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: واحتج بحديث عبد الله بن عمرو من قال: لا إعادة عليه، واحتج به بعض من رخص في النفخ عند الحادثة تحدث في الصلاة، واحتج بحديث أم سلمة من قال: لا إعادة على من نفخ في سجوده، وقال هذا القائل: معلوم معروف في اللغة أن النفخ لا يسمى كلاما، ولا يجوز إبطال صلاة من نفخ في سجوده، والأخبار التي رويت عن الأوائل في كراهية النفخ إنما هو استحباب منهم للسجود على التراب، كالذي روي في حديث أم سلمة أنه قال للذي نفخ: "ترب وجهك"، ولا يثبت عن ابن عباس وأبي هريرة أن النفخ بمنزلة الكلام، وليس لتفريق من فرق بين نفخ يسمع، وبين نفخ لا يسمع معنى؛ وذلك أن النفخ إن كان كلاما فعليه الإعادة، وإن لم يكن كلاما فلا إعادة على من نفخ في صلاته.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية