الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                    إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة

                                                                                                                                                                    البوصيري - شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري

                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    [ 7684 / 1 ] وعن قيس بن السكن وأبي عبيدة بن عبد الله: أن عبد الله بن مسعود حدث عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الحديث فقال: " إذا حشر الناس يوم القيامة، قاموا أربعين سنة على رؤوسهم الشمس، شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون الفصل، كل بر منهم وفاجر، لا يتكلم منهم بشر، ثم ينادي مناد: أليس عدلا من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم، ثم عبدتم غيره أن تولوا كل قوم ما تولوا؟ فيقولون: بلى. فينادي بذلك ملك ثلاث مرات، ثم يمثل لكل قوم آلهتهم التي كانوا يعبدونها، فيتبعونها حتى توردهم النار، ويبقى المؤمنون والمنافقون، فيخر المؤمنون سجدا، وتدمج أصلاب المنافقين فتكون عظما واحدا كأنها صياصي البقر، ويخرون على أقفيتهم، فيقول الله لهم: ارفعوا رؤوسكم إلى نوركم بقدر أعمالكم، فيرفع الرجل رأسه ونوره بين يديه مثل الجبل، [ ص: 156 ] ويرفع الرجل رأسه ونوره بين يديه مثل القصر، ويرفع الرجل رأسه ونوره بين يديه مثل البيت، حتى ذكر مثل الشجرة فينصرف على الصراط كالبرق، وكالريح، وكحضر الفرس، وكاشتداد الرجل، حتى يبقى آخر الناس نوره على إبهام رجله مثل السراج، فأحيانا يضيء له، وأحيانا يخفى عليه، فتنفث منه النار، فلا يزال كذلك حتى يخرج فيقول: ما يدري أحد ما نجا منه غيري، ولا أصاب أحدا مثل ما أصبت، إنما أصابني حرها ونجوت منها. قال: فيفتح له باب من الجنة فيقول: يا رب، أدخلني هذا. فيقول: عبدي لعلي إن أدخلتك تسألني غيره. فيقول: وعزتك وجلالك إن أدخلتنيه لا أسألك غيره. قال: فيدخله فبينما هو معجب بما هو فيه إذ فتح له باب آخر، فيستحقر في عينه الذي هو فيه، فيقول: يا رب، أدخلتني هذا. فيقول: أو لم تزعم أنك لا تسألني غيره؟ فيقول: وعزتك وجلالك إن أدخلتني لا أسألك غيره. قال: فيدخله، حتى يدخله أربع أبواب كلها يسألها ثم يستقبله رجل مثل النور، فإذا رآه هوى يسجد له، فيقول: ما شأنك؟ فيقول: ألست بربي؟ فيقول: إنما أنا قهرمان، لك في الجنة ألف قهرمان على ألف قصر بين كل قصرين مسيرة السنة، يرى أقصاها كما يرى أدناها. ثم يفتح له باب من زمردة خضراء، فيها سبعون بابا، في كل باب منها أزواج وسرر ومناصف، فيقعد مع زوجته، فتناوله الكأس، فتقول: لأنت منذ ناولتك الكأس أحسن منك قبل ذلك بسبعين ضعفا. ويقول لها: لأنت منذ ناولتيني الكأس أحسن منك قبل ذلك بسبعين ضعفا. وعليها سبعون حلة ألوانها شتى، يرى مخ ساقها، ويلبس الرجل ثيابه على كبدها، وكبدها مرآته ". رواه إسحاق بن راهويه بسند صحيح.

                                                                                                                                                                    [ 7684 / 2 ] وكذا الطبراني ولفظه: عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم، قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم، ينتظرون فصل القضاء، قال: وينزل الله - عز وجل - في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي، ثم ينادي مناد: أيها الناس ألا ترضون من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا أن يولي كل أناس منكم ما كانوا يعبدون في الدنيا، أليس ذلك [ ص: 157 ] عدلا من ربكم؟ قالوا: بلى. فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويقولون في الدنيا، قال: فينطلقون ويمثل لهم ما كانوا يعبدون، فمنهم من ينطلق إلى الشمس، ومنهم من ينطلق إلى القمر والأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون، قال: ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى، ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير، ويبقى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، قال: فيمثل الرب - تبارك وتعالى - فيأتيهم فيقول: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ قال: فيقولون: إن لنا إلها ما رأيناه فيقول: هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون: إن بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناها. قال: فيقول: ما هي؟ فيقولون: يكشف عن ساقه. فعند ذلك يكشف عن ساقه، فيخر كل من كان لظهره، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون، وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون، ثم يقول: ارفعوا رؤوسكم. فيرفعون رؤوسهم، فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين أيديهم، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك، ومنهم من يعطى مثل النخلة بيده، ومنهم من يعطى أصغر من ذلك، حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ أخرى، فإذا أضاء قدم قدمه، وإذا أطفئ قام، قال: والرب - تبارك وتعالى - أمامهم، حتى يمر في النار، فبقى أثره كحد السيف، قال: فيقول: فيمرون على قدر نورهم، منهم من يمر كطرفة العين، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالسحاب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الفرس، ومنهم من يمر كشد الرجل، حتى يمر الذي يعطى نوره على ظهر قدميه يجثو على وجهه ويديه ورجليه، تخر يد وتعلق يد، وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فلا يزال كذلك حتى يخلص، فإذا خلص وقف عليها، فقال: الحمد لله الذي أعطاني ما لم يعط أحدا إذ نجاني منها بعد إذ رأيتها، قال: فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل، فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم، فيرى ما في الجنة من خلل الباب، فيقول: رب أدخلني الجنة. فيقول الله: أتسأل الجنة وقد نجيتك من النار؟ فيقول: رب اجعل بيني وبينها حجابا حتى لا أسمع حسيسها، قال: فيدخل الجنة ويرى - أو يرفع له - منزل أمام ذلك، كأن ما هو فيه إليه حلم، فيقول: أعطني ذلك المنزل. فيقول: لعلك إن أعطيته تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسأل غيره، وأي منزل أحسن منه. فيعطاه فينزله، ويرى أمام [ ص: 158 ] ذلك منزلا كأن ما هو فيه بالنسبة إليه حلم، قال: رب أعطني ذلك المنزل. فيقول الله - عز وجل - له: فلعلك إن أعطيته تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك وأي منزل أحسن منه. فيعطاه فينزله، ثم يسكت فيقول الله - جل ذكره - : ما لك لا تسأل؟ فيقول: رب قد سألتك حتى استحييت. فيقول الله - جل ذكره - ألم ترض أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه؟ فيقول: أتهزأ بي وأنت رب العزة؟ قال: فيقول الرب - جل ذكره - : لا ولكني على ذلك قادر. فيقول: ألحقني بالناس. فيقول: الحق بالناس. قال: فينطلق يرمل في الجنة حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجدا، فيقال له: ارفع رأسك ما لك؟ فيقول: رأيت ربي - أو تراءى لي ربي - فيقال: إنما هو منزل من منازلك. قال: ثم يلقى رجلا فيتهيأ للسجود له فيقال له: مه. فيقول: رأيت أنك ملك من الملائكة. فيقول: إنما أنا خازن من خزانك وعبد من عبيدك، تحت يدي ألف قهرمان على ما أنا عليه. قال: فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر، قال: وهو من درة مجوفة سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها، تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء فيها سبعون بابا، كل باب يفضي إلى جوهرة خضراء مبطنة، كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى، في كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف، أدناهن حوراء عيناء، عليها سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء حللها، كبدها مرآته وكبده مرآتها، إذا أعرض عنها إعراضة ازدادت في عينه سبعين ضعفا عما كانت قبل ذلك، فتقول: والله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا. فيقال له: أشرف. فيشرف فيقال له: ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصرك. قال: فقال عمر: ألا تسمع ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلا، فكيف أعلاهم؟ قال: يا أمير المؤمنين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ... " فذكر الحديث.

                                                                                                                                                                    [ 7684 / 3 ] ورواه الحاكم وصححه ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ... فذكر نحو حديث الطبراني إلا أنه قال: "ألم ترضوا أني أعطيتكم مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافها؟ قال: قال مسروق: فلما بلغ عبد الله هذا المكان من الحديث ضحك، قال: فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لقد حدثت بهذا الحديث مرارا فما بلغت هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحكت! قال: فقال عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث [ ص: 159 ] بهذا الحديث مرارا، فما بلغ هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحك حتى تبدو لهواته ويبدو آخر ضرس من أضراسه لقول إنسان. قال: فيقول الرب - تبارك وتعالى - : لا، ولكني على ذلك قادر ... " فذكر ما رواه الطبراني وزاد بعد "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ": "إن الله لا ينام فوق العرش والماء، فخلق لنفسه دارا بيده، فزينها بما شاء وجعل فيها الثمرات والشراب، ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه منذ خلقها لا جبريل ولا غيره من الملائكة، ثم قرأ كعب : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) وخلق دون ذلك جنتين فزينهما بما شاء وجعل ما ذكر فيها من الحرير والسندس والإستبرق، وأراها من شاء من خلقه من الملائكة، فمن كان كتابه في عليين يرى في تلك الدار فإذا ركب الرجل من أهل عليين في ملكه لم ينزل خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه حتى إنهم يستنشقون ريحه، ويقولون: واها لهذا الريح الطيبة، ويقولون: لقد أشرف اليوم علينا رجل من أهل عليين. فقال عمر: ويحك يا كعب، إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها. فقال كعب: يا أمير المؤمنين، إن لجهنم زفرة ما من ملك مقرب ولا نبي إلا يخر لركبتيه حتى يقول إبراهيم خليل الله: رب نفسي نفسي. وحتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننت أن لا تنجو منها ".

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية