الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                    إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة

                                                                                                                                                                    البوصيري - شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري

                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    48 - باب جواز ترك النهي عن المنكر لمن لا يطيقه وليس للمؤمن أن يذل نفسه

                                                                                                                                                                    [ 7545 ] عن المعلى بن زياد قال: "لما هزم يزيد بن المهلب أهل البصرة قال المعلى: خشيت أن أجلس في حلقة الحسن بن أبي الحسن، فأوجد فيها فأعرف، فأتيت الحسن في منزله، [ ص: 89 ] فدخلت عليه، فقلت له: يا أبا سعيد، كيف بهذه الآية من كتاب الله - عز وجل - ؟ قال: أية آية من كتاب الله؟ قلت: قول الله - عز وجل - : ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) قال: يا عبد الله، إن القوم عرضوا السيف، فحال السيف دون الكلام. قلت: يا أبا سعيد، فهل تعرف لمتكلم فضلا؟ قال: لا. قال المعلى: ثم حدث بحديثين قال: حدثنا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بالحق إذا رآه أن يذكر تعظيم الله، فإنه لا يقرب من أجل، ولا يبعد من رزق. ثم قال: حدث الحسن بحديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لمؤمن أن يذل نفسه. قيل: وما إذلاله نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. قيل: يا أبا سعيد، فيزيد الضبي في كلامه في الصلاة؟ فقال: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم. قال المعلى: فقمت من مجلس الحسن فأتيت يزيد الضبي فقلت: يا أبا مودود، بينما أنا والحسن نتذاكر إذ نصبت أمرك نصبا، فقال: مه يا أبا الحسن. قال: قلت: قد فعلت. قال: فما قال؟ قال: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم على مقالته. قال يزيد: ما ندمت على مقالتي، وايم الله لقد قمت مقاما أخطر فيه بنفسي. قال يزيد: فأتيت الحسن، فقلت: يا أبا سعيد على كل شيء نغلب فنغلب على صلاتنا؟ فقال: يا عبد الله، إنك لم تصنع شيئا، إنك تعرض بنفسك لهم. ثم أتيته فقال لي مثل مقالته، قال: فقمت يوم الجمعة في المسجد والحكم بن أيوب يخطب فقلت: رحمك الله، الصلاة. قال: فلما قلت ذلك احتوشتني الرجال يتعاوروني، فأخذوا بلحيتي ورأسي وتلبيبتي وجعلوا يجئون بطني بنعال سيوفهم ومضوا بي نحو المقصورة، قال: فدخلت فقمت بين يدي الحكم وهو ساكت، فقال: أمجنون أنت؟ أو ما كنا في صلاة؟ فقلت: أصلح الله الأمير، هل من كلام أفضل من كلام الله؟ قال: لا. قلت: أصلح الله الأمير، أرأيت لو أن رجلا نشر مصحفا يقرؤه غدوة إلى الليل أكان ذلك قاضيا عنه صلاته؟ قال: والله إني لأحسبك مجنونا. قال: وأنس بن مالك جالس تحت منبره ساكت، فقلت: يا أنس، يا أبا حمزة، أنشدك الله لقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته، أبمعروف قلت أم بمنكر؟ أبحق قلت أم بباطل؟ قال: فلا والله ما أجابني بكلمة، قال له الحكم بن أيوب: يا أنس. قال: لبيك أصلحك الله. قال: أكان وقت الصلاة قد ذهب؟ - وكان من الشمس بقية - قال: بل بقي بقية. فقال الحكم: احبسوه. قال يزيد: فأقسم لك يا أبا الحسن - يعني للمعلى - لما لقيت من أصحابي كان [ ص: 90 ] أشد علي مما لقيت من الحكم. قال بعضهم: مرائي. وقال بعضهم: مجنون. قال: وكتب الحكم إلى الحجاج أن رجلا من بني ضبة قام إلي يوم الجمعة وأنا أخطب فقال: الصلاة. وقد شهد الشهود العدول عندي أنه مجنون. فكتب إليه الحجاج: إن كان شهد الشهود العدول أنه مجنون فخل سبيله، وإلا فاقطع يديه ورجليه واسمر عينيه واصلبه. قال: فشهدوا عند الحكم أني مجنون فخلى عني.

                                                                                                                                                                    قال المعلى، عن يزيد الضبي: مات أخ لنا فتبعنا جنازته فصلينا عليه، فلما دفن تنحيت في عصابة فذكرنا الله وذكرنا معادنا، فإنا كذلك إذ رأينا نواصي الخيل والحراب، فلما رآه أصحابي تفرقوا وتركوني وحدي، فجاء الحكم حتى وقف علي فقال: ما كنتم تصنعون؟ قلت: أصلح الله الأمير، مات صاحب لنا فصلينا عليه ودفناه، وقعدنا نذكر ربنا ونذكر معادنا ونذكر ما صار إليه. قال: ما منعك أن تفر كما فروا؟ قلت: أصلح الله الأمير، أنا أبرأ ساحة من ذلك (أو من الأمير أفر ) قال: فسكت الحكم، فقال عبد الملك بن المهلب - وكان على شرطته - أتدري من هذا؟ قال: من هذا؟ قال: هذا المتكلم يوم الجمعة. قال: فغضب الحكم، وقال: أما إنك لجريء خذاه. قال: فأخذت فضربني أربعمائة سوط، فما دريت حين تركني من شدة ما ضربني، قال: وبعثني إلى واسط فكنت في ديماس الحجاج حتى مات الحجاج ".

                                                                                                                                                                    رواه أبو يعلى الموصلي بسند صحيح، والحارث مختصرا بسند ضعيف، وتقدم لفظه في المواعظ في باب من يعمل الحسنات.

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية