الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر القاتل يقتله غير ولي المقتول

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في القاتل عمدا يقتله غير ولي المقتول .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : يقتل به الذي قتله ، ويبطل دم الأول ، إنما كان لهم الدم ففاتهم . هكذا قال سفيان الثوري .

                                                                                                                                                                              وقال الحسن البصري : يقتل الذي قتله ، ويبطل دم الأول .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : على الأجنبي القصاص ، إلا أن يشاء ورثة المقتول الثاني أخذ الدية ، فإن أرادوا الدية كانت لهم ، وإن كانت عليه ديون ضم ما أقبضوا من الدية إلى سائر ماله ، ثم ضرب أولياء المقتول الأول مع سائر أهل الديون في ديته وماله ، وليسوا بأحق بديته من أهل الديون غيرهم ، وإن لم يكن (له) عليه ديون قبضوا أولياء المقتول الأول ديته إذا كان الديتان سواء .

                                                                                                                                                                              هذا قول الشافعي . وقال مالك في الرجل يقتل الرجل عمدا أو يفقأ عينه ، فيقتل القاتل أو تفقأ عين الفاقئ من قبل أن يقتص منه [ ص: 107 ] قال مالك : ليس عليه دية ولا قصاص ، إنما كان حق المقتول أو [الشيء ] الذي فقئت عينه في الذي قد ذهب ، وإنما ذلك بمنزلة الرجل يقتل الرجل عمدا ثم يموت القاتل ، فلا يكون لطالب الدم إذا أصاب القاتل شيء ، دية ولا غيرها .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن قتادة وأبي هاشم أنهما قالا في رجل قتل رجلا عمدا فحبس ليقاد به ، فجاء رجل فقتله عمدا قالا : لا يقاد منه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : كأنهما شبها ذلك بالرجل يجب عليه الرجم ، أو السارق يجب قطع يده ، فيحكم السلطان بذلك فيعدو على الذي وجب عليه الرجم رجل فيقتله ، أو على السارق فيقطع يده ، وهذا بعيد الشبه من ذينك ، لأن الله جعل الولاية في الدم إلى الولي دون السلطان ، وجعل الولي بالخيار ، وليس للسلطان إذا وجب على رجل حد خيار ، فإن كان القاتل الأول عامدا ، والقاتل الثاني مخطئا ، ففيها أقاويل : أحدها : أن لا شيء لورثة المقتول الأول ، والدية لأولياء المقتول الثاني . هذا قول الحسن ، وحماد بن أبي سليمان ، والنخعي .

                                                                                                                                                                              والقول الثاني : أن الدية لورثة المقتول الأول . هذا قول عطاء ، والزهري . وبه قال أحمد ، وإسحاق . وقد ذكرت مذهب الشافعي : وهو أن دية المقتول الأول في مال القاتل المقتول خطأ ، يضرب فيه ورثة المقتول الأول مع غرماء إن كانت عليه ديون .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : والذي قاله الشافعي أصح القولين . والله أعلم . [ ص: 108 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية