الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر عفو المجني عليه عن الجناية وما يحدث منها إذا كانت الجناية عمدا

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في المجروح يعفو عن الجراح وما يحدث منها .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : العفو جائز ، كان الحسن البصري يقول في الرجل يقتل الرجل عمدا فيهب له دمه عند موته ، يعفو عنه قال : عفوه جائز ، وكذلك قال قتادة والأوزاعي .

                                                                                                                                                                              وقال طاوس : إذا تصدق الرجل بدمه فكان قتل عمد فهو جائز .

                                                                                                                                                                              وحكي عن الشعبي أنه قال : إذا عفا عن دمه فليس للورثة أن يقتلوا .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : إذا أوصى بأن يعفى عن قاتله إذا قتل عمدا أن ذلك جائز له ، وأنه أولى بدمه من غيره من أوليائه من بعده ، أبو مصعب عنه . وحكى ابن نافع عنه أنه قال ذلك ، إلا أن يكون قتل غيلة ، فلا يجوز العفو .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي - إذ هو بالعراق - يقول : إذا عفا عن جراحته وما يحدث منها ثم مات ، فعفوه باطل . وبه قال أبو ثور .

                                                                                                                                                                              ثم قال الشافعي بمصر : ولو جرحه عمدا ثم عفا المجروح عن الجرح وما يحدث منها ، ثم مات من ذلك الجرح لم يكن إلى قتل الجارح سبيل بأن المجروح قد عفا القتل ، فإن كان عفا عنه ليأخذ عقل الجرح أخذت منه الدية تامة ، لأن الجرح قد صار نفسا . وإن كان عفا عن العقل والقصاص في الجرح ثم مات من الجرح : فمن لم يجز [ ص: 123 ] الوصية للقاتل أبطل العفو ، وجعل الدية تامة للورثة ، لأن هذه وصية لقاتل . ومن أجاز الوصية للقاتل وجعل عفوه وصية عن الجرح تضرب بها في الثلث مع أهل الوصايا .

                                                                                                                                                                              قال الربيع : كان الشافعي : لا يجيز الوصية للقاتل .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل في المقتول خطأ يهب للذي قتله قال : يكون ذلك في الثلث ، وإذا كان العمد فإنما يجب القود بعد موته ، أي ليس للمقتول شيء ، إنما تجب النفس بعد الموت .

                                                                                                                                                                              وكذلك قال إسحاق .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : إذا عفا المضروب عن الجناية أو الشجة أو اليد ثم برأ منها وصح فعفوه جائز ، وإن مات منها فعفوه باطل من قبل أنها صارت نفسا ، وينبغي في القياس أن يقتل ، ولكنا ندع القياس ونستحسن فنجعل عليه الدية في ماله ، في قول أبي حنيفة . وإذا عفا المجروح عن الجراحة أو عن الضربة وما يحدث منها فإن عفوه جائز .

                                                                                                                                                                              قال أبو يوسف في الأمالي في رجل قتل أباه عمدا فعفا الأب عنه عند موته : فهو جائز ، ولا دية على الابن ، لأنه إنما عفا عن الدم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإن كان القتل خطأ فالعفو جائز ، يكون في ثلثه في قول مالك ، وسفيان الثوري ، وأصحاب الرأي ، فإن لم يكن له مال غير الدية جاز في ثلثه . [ ص: 124 ]

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : هي وصية للعاقلة قال : فمن أجاز وصيته أجاز هذا العفو في وصيته ، ومن لم يجزها لم يجز هذا العفو .

                                                                                                                                                                              9377 - وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال : إذا تصدق الرجل بديته وقتل خطأ ، فالثلث من ذلك جائز إذا لم يكن له مال غيره .

                                                                                                                                                                              وروي ذلك عن الحسن البصري .

                                                                                                                                                                              وكذلك قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق ، وكذلك نقول ولست أحفظ عن أحد لقيته في ذلك خلافا .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية