الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر كمال وصف الإيمان

                                                                                                                                                                              أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إن قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأن كل ما جاء به محمد حق ، وأبرأ من كل دين خالف دين الإسلام ، وهو بالغ صحيح العقل أنه مسلم ، فإن رجع بعد ذلك فأظهر الكفر كان مرتدا يجب عليه ما يجب على المرتد .

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولم يزد على ذلك .

                                                                                                                                                                              فكان الشافعي يقول : والإقرار بالإيمان وجهان : فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدعي أنه دين نبوة ولا كتاب ، فإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقد أقر بالإيمان ، ومتى رجع عنه قتل . ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدعون دين موسى وعيسى صلوات الله عليهما ، وقد بدلوا منه وأخذ عليهم فيها الإيمان برسول الله ، فكفروا بترك الإيمان به واتباع دينه ، فقد قيل لي إن منهم من هو مقيم على دينه يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمدا رسول الله ويقول لم يبعث إلينا ، فإن كان فيهم [أحد] يقول هكذا فقال : هذا لم يكن مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول : وأن دين محمد حق أو فرض وأتبرأ ممن خالف دين محمد أو دين الإسلام ، فإذا قال هذا [ ص: 522 ] فقد استكمل الإقرار بالإيمان ، وإذا رجع عنه استتيب ، فإن تاب وإلا قتل وإن كانت طائفة منهم تعرفه بأن لا يقر بنبوة محمد إلا عند الإسلام فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فقد استكملوا الإقرار بالإسلام ، فإن رجعوا عنه استتيبوا ، فإن تابوا وإلا قتلوا .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : لو أن نصرانيا قال : أنا مسلم ، سئل : أي شيء أردت بذلك ، فإن قال : أردت بذلك ترك دين النصارى والدخول في دين الإسلام كان بذلك مسلما ، فإن رجع إلى النصرانية كان مرتدا حلال الدم إلا أن يرجع إلى الإسلام ، وإن قال أردت بقولي : أنا مسلم على الحق وإني مسلما لله ، ولم أرد به رجوعا عن ديني لم يكن بذلك مسلما ، وإن لم يسأل عن ذلك حتى جعل يصلي مع المسلمين في مساجدهم الصلاة في جماعة كما يصلي المسلمون ، أو أذن في بعض مساجد المسلمين كان بذلك مسلما ، فإن تنصر بعد ذلك كان مرتدا حلال الدم إلا أن يرجع إلى الإسلام ، وإن مات بعدما قال : إني مسلم مات وهو على دينه ، وإن قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، ولم يقل : إني داخل في الإسلام ولا برئ من النصرانية ولا من اليهودية لم يكن بذلك مسلما إلا أن يصلي مع المسلمين في جماعة أو يؤذن لهم .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل في رجل قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن [ ص: 523 ] محمدا رسول الله قال : يجبر على الإسلام ، وأنكر على من يقول : لا يجبر .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : ولو شهد عليه شاهدان أنه ارتد مكرها لم يغنم ماله ، ولو قالا : كان آمنا حين ارتد كانت ردة وغنم ماله ، فإن ادعى ورثته أنه رجع إلى الإسلام لم يقبل [منهم] إلا ببينة ، فإن أقاموا بينة أنهم رأوه يصلي صلاة المسلمين قبلت ذلك منهم ، وورثتهم ماله ، ولو كان هذا في بلاد الإسلام والمرتد ليس في حال ضرورة لم أقبل هذا منهم ، حتى يشهد عليه شاهدان بالتوبة بعد الردة ، وقال في كتاب الإمامة : لو أن رجلا كافرا أم قوما مسلمين لم تكن صلاته إسلاما إذا لم يتكلم بالإسلام قبل الصلاة ويعزر الكافر .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد : يجبر على الإسلام . وحكى أبو ثور عن الكوفي أنه قال كما قال أحمد .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : هذا خطأ ، لا يكون الكافر منتقلا عن الكفر إلا بقول أو إظهار ، لأن الكفار قد يصلون مشتهرين . [ ص: 524 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية