الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر القصاص من العمال والأمراء

                                                                                                                                                                              ثابت عن عمر بن الخطاب أنه كان يقيد من نفسه . وروي عن عمرو بن العاص أنه قال لعمر : يا أمير المؤمنين أتقيد من عمالك ؟ قال : نعم . قال : إذا لا نعمل لك . قال : وإن لم تعملوا . وقال أبو بكر الصديق لرجل شكا أن عاملا له قطع يده فقال لإن كنت صادقا لأقيدنك منه .

                                                                                                                                                                              9345 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن المغيرة بن سليمان أن عاملا لعمر ضرب رجلا فأقاده عمر منه ، فقال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين ، أتقيد من عمالك ؟ قال : نعم ، قال إذا لا نعمل لك . قال : وإن لم تعملوا . قال : أو ترضيه ؟! قال : أو أرضيه . [ ص: 92 ]

                                                                                                                                                                              9346 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي حصين ، عن حبيب بن صهبان ، قال : سمعت عمر يقول : ظهور المسلمين حمى ، لا تحل لأحد إلا أن [يخرجها حد ] قال : ولقد رأيت بياض إبطه ، قائما يقيد من نفسه .

                                                                                                                                                                              9347 - حدثنا محمد بن عبد الله بن مهل ، قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كان رجل أسود يأتي أبا بكر فيدنيه ويقرئه القرآن ، إلى أن بعث سرية أو ساعيا ، فقال لأبي بكر : أرسلني معه . فقال أبو بكر : بل عندي . قال : بل أرسلني معه ، فأرسله معه ، فما غبر عليه إلا يسيرا حتى جاء قد قطعت يده ، فلما رآه أبو بكر فاضت عيناه وقال : ما شأنك ويحك ؟ قال : ما زدت على أن كان يوليني الشيء من عمله ، فخنته فريضة فقطع يدي . فقال أبو بكر : والله لئن كنت صادقا لأقيدنك منه . قال : ثم أدناه ولم يحول منزلته ، فما غبر عنهم إلا يسيرا ، حتى سرق حلي لآل أبي بكر ، فلما أصبح أبو بكر قال : طرق الحي الليلة . قال : فجاء المقطوع فرفع يده الصحيحة واليد التي قطعت فقال : اللهم أظهر على من سرق أهل البيت الصالحين - أو نحو ذلك - قال : فما انتصف النهار حتى وجد المتاع في بيته . فقال له أبو بكر : إنك لقليل العلم بالله ، ثم أمر به فقطعت رجله . قال : وأخبرني أيوب ، عن نافع ، عن ابن [عمر ] : [ ص: 93 ] أن أبا بكر كان إذا سمع صوته من الليل قال : ما ليلك بليل سارق . قال : فلما وجد المتاع عنده قطع رجله . وكان يعلى بن أمية قطع يده .

                                                                                                                                                                              قال الزهري : ولم يبلغنا في السنة إلا قطع يد ورجل لا يزاد على ذلك . وممن قال بأن على العمال القود : الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ليس بين العمال والعامة فرق فيما يجب لبعضهم على بعض من القصاص ، يدل على ذلك الكتاب والسنة ، فأما الكتاب فقوله عز وجل ( كتب عليكم القصاص في القتلى ) الآية ، وأما السنة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المؤمنون تكافأ دماؤهم " . وقوله "من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين ، إن أحبوا العقل ، وإن أحبوا القود " . وقد روينا في هذا الباب بعينه حديثا ثابتا .

                                                                                                                                                                              9348 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم مصدقا (فلاجه) رجل في صدقته ، فضربه أبو جهم فشجه ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : القود يا رسول [ ص: 94 ] الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لكم كذا وكذا" فلم يرضوا . فقال : "لكم كذا وكذا " ، فلم يرضوا . فقال : "لكم كذا وكذا" فرضوا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم " . فقالوا : نعم ، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "إن هؤلاء [الليثيين ] أتوني يريدون القود ، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا ، أرضيتم ؟ " قالوا : لا ، فهم المهاجرون بهم ، فأمرهم النبي أن يكفوا فكفوا ، ثم دعاهم فزادهم وقال : "أرضيتم ؟ " قالوا : نعم . قال : "وإني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم " ، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : "أرضيتم ؟ " قالوا : نعم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وفي هذا الحديث دليل على إباحة إرضاء المشجوج بأكثر من دية الشجة إذا طلب المشجوج القصاص ، وفيه حجة لمن رأى وقوف الحاكم عن الحكم بعلمه ، لأنهم لما رضوا بما أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجعوا عنه لم يلزمهم رضاهم الأول حتى أظهروا ذلك في المرة الثانية .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية