الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر جناية من لا عاقلة له

                                                                                                                                                                              واختلفوا في جناية من لا عاقلة له أو كان معتقا سائبة ، فقالت طائفة : جنايته على نفسه ، وميراثه لبيت المال . هذا قول الحسن .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : عقله على بيت المال . هذا قول إسحاق بن راهويه .

                                                                                                                                                                              وقال الزهري في السائبة : يعقل عنه المسلمون ، ويرثه المسلمون ، ليس مواليه منه في شيء . وكان أحمد بن حنبل يقول : إذا لم يكن له عاقلة لم يجعل في ماله ولكن يهدر عنه .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن عمر بن الخطاب : أن سائبة أعتقه بعض الحاج كان يلعب هو ورجل من بني عائذ ، فقتل السائبة العائذي ، فجاء أبوه إلى عمر بن الخطاب يطلب بدم ابنه ، فأبى عمر أن (يعطيه) قال : ليس له مال . فقال العائذي : أرأيت لو أني قتلته ؟ قال عمر : إذا تخرجون دية . قال : فهو إذا كالأرقم إن يترك يلقم وإن يقتل ينقم .

                                                                                                                                                                              9598 - حدثناه إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه بعض الحاج . . . [ ص: 368 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الولاء لمن أعتق" .

                                                                                                                                                                              9599 - حدثنا ابن عفان ، حدثنا ابن نمير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة في قصة بريرة ، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أعتقي فإنما الولاء لمن أعتق" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا قتل من لا عصبة له وله موال قتل خطأ ، عقل عنه مواليه من فوق كما يرثونه وهذا قول عمر بن عبد العزيز ، وإبراهيم النخعي . وبه قال حماد بن أبي سليمان ، ومالك ، والشافعي .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المعتق سائبة ، فكان عمر بن عبد العزيز يقول : إذا مات ولم يوال أحدا فميراثه للمؤمنين وهم يعقلون عنه جميعا .

                                                                                                                                                                              وقال الزهري : يعقل عنه السلطان ويرثه . [ ص: 369 ]

                                                                                                                                                                              وقال مرة : ميراثه في بيت مال المسلمين هم يرثونه ويعقلون عنه . وقال آخر : ليس له أن يوالي أحدا ، وولاؤه للمسلمين وعقله عليهم . هذا قول مالك .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : المعتق سائبة كالمعتق غير سائبة ، ولاؤه لمن أعتقه .

                                                                                                                                                                              هكذا قال الحسن البصري ، والشعبي ، وابن سيرين ، وراشد بن سعد ، وضمرة بن حبيب ، والشافعي ، وقد ذكرت هذا الباب في كتاب الولاء ، وكذلك أقول ، لدخول السائبة في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم : "الولاء لمن أعتق" .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول : إذا جنى المسلم جناية خطأ ، لزم ذلك عاقلته من المسلمين ، ولا يعقل عنه أهل الذمة . وكذلك قال أبو ثور : أن المسلم لا يعقل على الكافر ، ولا الكافر على المسلم . وحكي ذلك عن الكوفي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا قتل الحر الذمي خطأ لزم ذلك عاقلته . وهذا قول الشافعي وأبي ثور . [ ص: 370 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية