الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الأسباب التي إذا كانت موجودة وجب الحكم بالقسامة إذا ادعى ذلك المدعي

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في المعنى الذي إذا وجد وجب الحكم بالقسامة ، فكان مالك والشافعي يقولان : إذا شهد شاهد واحد عدل على رجل أنه قتله وجب الحكم بالقسامة وكان الشافعي يقول : إذا كان مثل السبب الذي حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت القسامة ، كانت خيبر دار يهود محضة [ ص: 428 ] لا يخلطهم غيرهم ، وكانت العداوة بين الأنصار واليهود ظاهرة ، وخرج عبد الله بعد العصر فوجد قتيلا قبل الليل ، فإذا كان كذلك فلهم القسامة ، وكذلك قال أحمد ، قال : إذا كان بين القوم عداوة أو شحناء كما كان بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : إذا قال المجروح أو المضروب : دمي عند فلان ومات ، كانت قسامة . قال عروة بن الزبير : ضرب رجل رجلا بعصا فعاش يوما وقال : ضربني فلان فمات ، فأتى قومه عبد الملك يسألونه القود ، فأمرهم أن يقسموا عليه فحلف منهم ستة رهط خمسين يمينا يردد الأيمان عليهم ، ثم دفعه إليهم قودا بصاحبهم .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : الأمر المجتمع عليه الذي سمع وأدرك أهل العلم عليه والناس في القسامة ، والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ المدعون في القسامة ، والقسامة لا تجب إلا بأحد أمرين : إما أن يقول المقتول دمي عند فلان ، وإما أن يأتي ولاة الدم [بلوث] من بينة وإن لم تكن قاطعة على الذي يدعى عليه الدم فهذا يوجب القسامة . وقال الليث بن سعد : إن المضروب إذا [قال] : قتلني فلان ومات على ذلك فشهد على قوله العدول ، أنهم يقسمون ويستحقون دمه مضت به السنة ، وعليه كان العمل بالمدينة ، وحكى ابن القاسم عن مالك أنه قال : في كتاب الله [ ص: 429 ] في قتيل بني إسرائيل ما يصدق القسامة . قال الله عز وجل ( فقلنا اضربوه ببعضها ) فذبحت البقرة ، ثم ضربوه بلحمها فحيا ، فتكلم فأخبرهم فقال : فلان الذي قتلني ، فقبل قوله ، فقال : هذا مما يبين القسامة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : والذي احتج به مالك بعيد الشبه من أبواب القسامة ، ومن مدع يدعي أن فلانا قتله لا بينة معه بدعواه ، ولو جاز أن يكون قصة بني إسرائيل أصلا لنا نعتمد عليه ، ونأخذ به في قتلانا لوجب أن نحكم بقول المدعي : فلان ضاربي ، أو جارحي ، من غير أن يقسم الورثة عليه ، لأن قتيل بني إسرائيل لم يقسم الورثة عليه ، وفي قوله : وفي قول جميع أهل العلم : أن أحدا لا يعطى بدعواه شيئا ، إذا لم يكن مع دعواه ما يجب أن يحكم له به ، دليل على أن خبر قتيل بني إسرائيل غير جائز أن يكون لنا أصلا نبني عليه المسائل ، وفي تركه أن يحكم بقول المدعي دون أن يقسم الورثة دليل على تركه أن يقول بمثل ما ذكر من قصة قتيل بني إسرائيل ، وقد حكى ابن وهب عنه أنه قال فيمن قال عند موته : قتلني فلان خطأ : إن لم يكن مع قوله شيء لم [ ص: 430 ] يقبل قوله ، لأنه مدع يتهم أن يكون يريد عناء ولده ، ولكن لو كان لوث أقسم معه وإن كان خطأ .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا ترك فيه لأصله ، لأن المال إذا وجب أن يتهم فيه المدعي وجب أن يتهم في الدم ، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لو يعطى الناس بدعواهم ادعى ناس دماء رجال" .

                                                                                                                                                                              9627 - أخبرنا محمد بن عبد الله قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لو يعطى الناس بدعواهم ادعى ناس دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه" .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية