الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر العدد الذين يقسمون من الأولياء

                                                                                                                                                                              واختلفوا في العدد الذين يقسمون ويستحقون الدم أو العقل .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : لا يقسم في قتل العمد إلا اثنان فصاعدا تردد الأيمان عليهما حتى يحلفا خمسين يمينا ثم قد استحقا الدم . هذا قول مالك ، قال مالك : وذلك الأمر عندنا . وبه قال عبد الملك ، قال عبد الملك : وإن كان ولي الدم واحدا كأنه ابن الرجل وله عصبة ، إخوة ، وعمومة ، وبنو عم ، فلا بد له من آخر من عصبته إن شاء فمن إخوته ، وإن شاء فمن عمومته ، وإن شاء فمن أقصاهم ، أو أدناهم لا بد له من ثان يكون معه يحلف كل واحد منهما نصف الخمسين ، ويستحق الدم ، وإن كان أولياء الدم خمسين رجلا كلهم من الميت بإزاء كأنهم بنو عم مستويين في القرابة ، فالدم بينهم أجمعين [فلابد] من أن يحلفوا جميعا [ ص: 434 ] ولا يستعينوا بغيرهم ، لأن الدم لا يجب حتى لا يبقى له أحد ممن له فيه نصيب إلا حلف ، وإن كان أولياء الدم أكثر من خمسين رجلا حلف منهم خمسون رجلا ، ثم لا يحتاج إلى الباقين ، لأن الأيمان قد كملت . قال : وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضها على جماعة ، وعرضها في القول بلفظ جماعة فقال : "تحلفون خمسين يمينا وتستحقون" وأقل الجماعة اثنان فصاعدا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وفي قوله : "تستحقون" دليل على أن لا يمين لغير مستحق ، وعلى أن لا يحلف إلا وارث .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : قال الشافعي : ولا يجب على أحد حق في قسامة حتى تكمل أيمان الورثة خمسين يمينا ، وسواء كثر الورثة أو قلوا ، وإذا مات الميت وترك وارثا واحدا أقسم خمسين يمينا واستحق الدية ، ولو لم يترك إلا ابنته وهي مولاته حلفت خمسين يمينا وأخذت الكل ، النصف بالنسب ، والنصف بالولاء . وهكذا لو لم يدع إلا زوجته وهي مولاته ، أو أمه أو جدته وهي مولاته ، وإذا ترك أكثر من خمسين وارثا سواء في ميراثه كأنهم بنون معا أو إخوة أو عصبة في [القعدد] إليه سواء ، حلف كل واحد منهم يمينا ، وإن (جاز) خمسين أضعافا ، [ ص: 435 ] لأنه لا يأخذ مالا بغير بينة ولا إقرار من المدعى عليه ، ولا يملك أحد بيمين غيره شيئا .

                                                                                                                                                                              قال أبو ثور : وقول أبي عبد الله أن الواحد يقسم ، ويكون عليه الأيمان إذا لم يكن غيره وبه نأخذ ، وذلك أن الحق له ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم للأولياء أن يقسموا ، فإذا لم يكن إلا واحد كان ذلك له ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث : قال سعيد بن المسيب .

                                                                                                                                                                              أول من قصر القسامة على أقل من خمسين ، معاوية ، وذلك على عهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                              قال الزهري : وقضى بذلك عبد الملك بن مروان ، قال الزهري : ثم رد عمر بن عبد العزيز ذلك إلى الأمر الأول أن الدم لا يستحق إلا بأقل من خمسين يمينا على خمسين رجلا .

                                                                                                                                                                              وقال الليث بن سعد : تقصر على (أقل من خمسين ، وقال : ما سمعت أحدا ممن أدركت يقول أنها تقصر على) أقل من ثلاثة .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : لا تقصر على أقل من خمسين يمينا ، فإن نكل رجل منهم أو نقصت قسامتهم لم يعطوا الدم [و] غرموا عقله . [ ص: 436 ]

                                                                                                                                                                              وقال الزهري : إذا نقص من الخمسين في القسامة رجل لم نجزها .

                                                                                                                                                                              وقال ابن سيرين في القسامة : إذا كانوا دون الخمسين ردت عليهم حتى يستكملوا خمسين ، ورد على الأول الأول .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية