الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الوقت الذي تحل فيه دية الخطأ

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : لم نجد لتنجيم دية الخطأ في كتاب الله [ذكرا] ، ولا في شيء من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم له وقت تحل فيه ، غير أني سمعت كل من لقيت من أهل العلم ، وعوام من بلغنا عنهم ممن مضى يقولون : يقضى بها في ثلاث سنين ، وأعلى شيء روينا فيه حديث عن عمر غير متصل الإسناد ، ولا ثابت عنه ، وإنما رواه الشعبي عنه أنه جعل الدية في الأعطية في ثلاث سنين [و] النصف في سنتين والثلثين في سنتين ، والثلث في سنة ، فما كان دون ذلك ففي عامه . وقد روينا عن ابن عباس أنه قال : الدية في ثلاث سنين .

                                                                                                                                                                              9592 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، عن أشعث ، عن الشعبي أن عمر جعل الدية في الأعطية في ثلاث سنين [و] النصف في سنتين ، والثلثين في سنتين ، والثلث في سنة فما كان دون ذلك ففي عامه . [ ص: 354 ]

                                                                                                                                                                              9593 - حدثنا موسى ، حدثنا أبو معمر ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا الأعمش ، عن سالم ، عن كريب ، عن ابن عباس قال : الدية في ثلاث سنين .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقوله : الدية في ثلاث سنين يحتمل دية الخطأ ، ويحتمل غير ذلك ، وقد قال به أحمد بن حنبل إلى أن ذلك في الذي أراد أن ينحر نفسه . وقال أحمد : ثم تركه هشيم بعد .

                                                                                                                                                                              وممن روينا عنه أنه قال : الدية في ثلاث سنين : النخعي ، والشعبي ، وقتادة ، وأبو مجلز ، وعبيد الله بن [ ص: 355 ] عمر ، وبه قال مالك قال : الثلاث أحب إلي . وهو قول عبد الملك ، وحكى الثوري قول عمر ، وكذلك قال الشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور . وقال الشافعي : أما الخطأ فلا اختلاف بين أحد علمته أن رسول الله قضى بالدية في ثلاث سنين .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وليس عندنا في هذا عن رسول الله حديث ، ولا لقيت أحدا من أصحابنا ذكر ذلك لي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان من لقيته من أهل العلم يذكر في هذا الباب حديث عمر ويقدمه ، ولو كان عندهم في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء لاستغنوا به ، وقد أنكر أحمد بن حنبل - وهو من علم الحديث بمكانة - أن يكون فيه حديث يعرفه . قال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد : في كم تعطى الدية ؟ قال : ما أعرف فيه حديثا ، (ولعل الشافعي إنما سمع ذلك من إبراهيم ذاك المديني ، فظن به خيرا) ، وقد ذكرت [ ص: 356 ] خبر إبراهيم ، ومن تكلم فيه من الأئمة وكذبه وقصته في كتاب الطهارة في باب التيمم ضربتين . وقال أحمد بن حنبل : إذا كانت العاقلة تقدر أن تحملها في سنة ، فلا أرى به بأسا ، ويعجبني ذلك . هكذا حكاه إسحاق بن منصور عنه . وحكى الأثرم عنه أنه قال : تؤدى في ثلاث سنين ثم قال : الناس - أي هو قول الناس - وقال قائل : الدية على العاقلة ، والسنة أن من كان عليه مال وله إليه سبيل أن يؤديه إلى أهله ولا أجل له ، فإن كانت العاقلة لا يجحف بها أن تؤدي الدية من عامها أخذ ذلك منها ولم يؤجل ، وإن كان أخذها منهم في عامهم يجحف بهم ، فرقه عليهم في سنتين .

                                                                                                                                                                              وأجمع أكثر من أحفظ عنه من أهل العلم : أن العاقلة لا تعقل مهر المثل ولا الجنايات على الأموال . إلا العبيد فإنهم اختلفوا فيه ، إلا شيئا روي عن عطاء فإنه سئل عن رجل قتل عبدا خطأ قال : هو على عاقلته ، وإن قتل دابة خطأ فهو على العاقلة . وأبى ذلك عمرو بن دينار وسليمان بن موسى ، وغيرهم من أهل العلم وقالوا : الجناية على دواب الناس في مال الجاني ، وكذلك نقول ، ولا نعلم أحدا وافق عطاء على مقالته . [ ص: 357 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية