الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب السمحاق

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم فيما يجب في السمحاق ، فقالت طائفة : فيه أربع من الإبل . روي هذا القول عن علي بن أبي طالب ، وزيد بن ثابت . وروي أن معاوية بن أبي سفيان جمع رهطا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من علمائهم ، قال : ما تقولون في الديات ما لم تجئ فيه السنة من رسول الله ؟ قالوا : في السمحاق أربعة - يعني من الإبل .

                                                                                                                                                                              9435 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عبد الله بن نجي ، عن علي أنه قال : في السمحاق أربع من الإبل . وحكي هذا القول عن عبيد الله بن الحسين ، فاختلف فيه عن إسحاق ، فحكي عنه أنه قال : أربع من الإبل ، وحكي عنه أنه وافق أحمد فقال : ليس فيما دون الموضحة من الشجاج عقل .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : وهو أن في السمحاق نصف ما في الموضحة .

                                                                                                                                                                              9436 - من حديث مالك ، عن يزيد بن قسيط ، عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف الموضحة . [ ص: 184 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : ليس فيما دون الموضحة أرش معلوم ، ولكن فيه حكومة .

                                                                                                                                                                              كذلك قال الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، وعمر بن عبد العزيز .

                                                                                                                                                                              9437 - وقد روينا عن مكحول ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في الموضحة فصاعدا ، ولم يقض فيما دونها شيئا .

                                                                                                                                                                              وممن قال ليس فيما دون الموضحة أرش معلوم : مالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس الشافعي ، وأحمد بن حنبل . وحكي ذلك عن يحيى بن سعيد وعبد العزيز بن أبي سلمة . وذكر الشافعي أن مالك نفى أن يكون أحد من الأئمة في قديم أو حديث قضى فيما دون الموضحة بشيء . [ ص: 185 ]

                                                                                                                                                                              قال : هو - والله - يروى عن إمامين عظيمين من المسلمين عمر وعثمان ، أنهما قضيا فيما دون الموضحة بشيء موقت .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ليس يلزم مالك من حديث عمر وعثمان شيء إلا لزم الشافعي مثله ، لأن الحديث إن كان ثابتا عنهما ، ووجب الأخذ بما قالا ، فقد لزمه مثل ما لزم مالكا ، لأن مالكا قال : ليس فيما دون الموضحة من الشجاج عقل معلوم ، وكذلك قال الشافعي ، وإن كان تقليدهما غير لازم فلا عتب على مالك حين ترك الأخذ بما قالا ، مع أن عذر مالك في تركه الأخذ بهذا الحديث بين ، لأن الحديث كان غير ثابت عنهما عند مالك .

                                                                                                                                                                              9438 - حدثني إسحاق ، عن عبد الرزاق ، قال : قلت لمالك : إن الثوري أخبرنا عنك ، عن يزيد بن قسيط ، عن ابن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف الموضحة . فقال لي : قد حدثته به . فقلت : فحدثني به فأبى ، وقال : العمل عندنا على غير ذلك ، وليس الرجل عندنا هناك - يعني : يزيد بن قسيط . [ ص: 186 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فظاهر هذا أن مالكا إنما ترك الحديث ، لأن يزيد لم يكن بالرضي عنده ، وإذا كان هكذا فكأن الحديث لم يثبت عنده ، وله إذا لم يثبت عنده الحديث أن يقول لم يكن أحد من الأئمة في قديم أو حديث قضى فيما دون الموضحة بشيء إذا كان الحديث عنهما غير ثابت عنده .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية