الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر القسامة

                                                                                                                                                                              [ذكر] الحكم بالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه

                                                                                                                                                                              ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه .

                                                                                                                                                                              9618 - أخبرنا محمد بن علي النجار ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن منصور والأعمش ، عن أبي وائل قال : قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يحلف رجل على يمين صبر يقتطع بها مالا هو فيها فاجر إلا لقي الله وهو عليه غضبان" . قال : فأنزل الله : ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) الآية ، فجاء الأشعث بن قيس وعبد الله يحدثهم فقال : في نزلت وفي رجل خاصمته في بئر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ألك بينة ؟ " قال : فقلت : لا . فقال رسول الله : "فتحلف" . قال : قلت : إذا يحلف ، فأنزل الله ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ) الآية ، ففي نزلت .

                                                                                                                                                                              9619 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا مسدد ، حدثنا أبو الأحوص ، حدثنا سماك ، عن علقمة بن وائل بن حجر ، عن أبيه قال : جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الحضرمي : إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي . فقال [ ص: 416 ] الكندي : هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي : "ألك بينة ؟ " قال : لا . قال : "فلك يمينه" . قال : يا رسول الله إنه رجل فاجر ليس يبالي ما حلف عليه ليس يتورع من شيء . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ليس لك منه إلا ذلك" . قال : فانطلق ليحلف ، فلما أدبر قال رسول الله : "أما إنه إن يحلف على ماله ليأكله ظلما [ليلقين] الله وهو عنه معرض" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فقال بظاهر هذين الخبرين عوام أهل العلم من علماء الأمصار قديما وحديثا ، والحكم بظاهر ذلك عندي يجب إلا أن يخص الله في كتابه أو على لسان نبيه حكما في شيء من الأشياء ، فيجب أن يستثنى من جملة هذين الخبرين ما دل عليه الكتاب أو السنة ، فمما دل عليه الكتاب إلزام القاذف حد المقذوف إذا لم يكن مع القاذف أربعة شهداء يشهدون له على صدق ما رمى به المقذوف ، وخص من رمى زوجته بأن أسقط عنه حد القذف إذا شهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، فأقام أيمانه الأربعة والتعانه إذا لم يأت بأربعة شهداء مقام أربعة شهداء ، وقال الله عز وجل ( والذين يرمون المحصنات ) الآية . وقال - جل وعز - : ( والذين يرمون أزواجهم ) الآية . فالزوج رام لزوجته مدع خصه كتاب الله [ ص: 417 ] وأقام أيمانه الأربع ، [مع] التعانه مقام أربعة شهداء ، وثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لاعن بين الذي رمى زوجته بالزنا وبين زوجته بمعنى كتاب الله ، وأجمع أهل العلم على القول به ، ومما خصت السنة من ذلك حكم النبي صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد في الأموال ، وقال به كثير من أهل المدينة وغيرهم من علماء أهل الحديث ، ومما خصته السنة من ذلك حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالقسامة ، وأنا ذاكر بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فيما بعد - إن شاء الله - واختلاف أهل العلم فيه وبعض حججهم إن شاء الله ، وإنما يكون الرجل متبعا لأخبار رسول الله إذا قال بها كلها في مواضعها ولم يضرب بعضها ببعض فيكون دافعا بعض الأخبار قائلا ببعضها .

                                                                                                                                                                              9620 - وقد روينا من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم البينة على من ادعى واليمين على المدعى عليه إلا القسامة . حدثونا عن بشر بن الحكم ، عن مسلم بن خالد الزنجي ، عن ابن جريج ، عن عمرو . [ ص: 418 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية