الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الرجل يحبس الرجل على الرجل حتى يقتله

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يحبس الرجل على الرجل حتى يقتله : فقالت طائفة : يقتلان جميعا .

                                                                                                                                                                              ذكر ابن جريج أنه سمع سليمان بن موسى يقول : الاجتماع فينا على المقتول أن يمسك الرجل ويضربه الآخر فهما شريكان عندنا في دمه يقتلان جميعا ، وحكي عن النخعي أنه قال في رجل أمر رجلا فقتل رجلا قال : هما شريكان .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : وهو أن الممسك إن كان أمسكه وهو يرى أنه يريد قتله قتلا به جميعا ، وإن كان أمسكه وهو يرى أنه يريد الضرب مما [ ص: 87 ] يضرب به الناس لا يرى أنه عمد لقتله ، فإنه يقتل الضارب ، ويعاقب الآخر أشد العقوبة ويسجن ، لأنه أمسكه ولا يكون عليه القتل .

                                                                                                                                                                              هذا قول مالك .

                                                                                                                                                                              فيه قول ثالث : وهو أن يقتل القاتل ويعاقب الحابس .

                                                                                                                                                                              9341 - روي عن علي أنه قال : يقتل الذي قتله ويحبس الحابس في السجن حتى يموت . حدثناه علي ، قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، عن جابر ، عن الشعبي عنه .

                                                                                                                                                                              وكذلك قال عطاء . وقال الحكم ، وحماد : يقتل القاتل ، ويعزر الذي حبسه ويحبس . وهذا قول أبي ثور ، والنعمان ، وكذلك نقول ، وذلك لأن الله جل ذكره نهى عن الإسراف في القتل فقال جل ذكره : ( فلا يسرف في القتل ) ومعنى ذلك عند كثير من أهل العلم بالتفسير أن يقتل المرء غير قاتله .

                                                                                                                                                                              9342 - ومن حديث يزيد بن زريع ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي شريح الخزاعي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله " . [ ص: 88 ]

                                                                                                                                                                              وقد حرم الله الدماء في كتابه وعلى لسان نبيه فقال - جل ذكره : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "دماؤكم وأموالكم (عليكم) حرام بينكم ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا " . فالدماء محرمة بظاهر كتاب الله ، وبالأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وباتفاق أهل العلم إلا من حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم وهو : "أن لا يحل دم امرئ مسلم إلا بكفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس فيقتل به" والممسك غير قاتل ، ودمه محرم بالكتاب والسنة ، وقال - جل ذكره : ( كتب عليكم القصاص في القتلى ) والقصاص : أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل ، وهذا حابس ، والحبس غير القتل ، ولست أعلم خلافا في رجل حبس امرأة حتى زنا بها آخر ، أن على الزاني الحد ، ولا حد على الحابس ، وقد كان اللازم لمن حكم على الحابس في باب القتل بحكم القاتل وألزمه القود ، أن يحكم على الحابس في باب الزنا بحكم الزاني فيلزمه الحد .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية