الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ما يحدثه المرتد في حال ارتداده

                                                                                                                                                                              واختلفوا في جنايات المرتد . فكان الليث بن سعد يقول في الحر والعبد المرتدين يجنيان ، أما الحر فإن هو رجع إلى الإسلام وتاب من الكفر اقتص منه إن كان تعمد ، وإن كان لم يتعمد جعل عقل ما جنى على عاقلته ، وإن لم يرجع فكان مقتولا على كفره ، فالقتل يقطع كل جناية ، لأنه يأتي على نفسه . وأما العبد فإن رجع إلى الإسلام وكان تعمد فإن رأى الحر أن يقتص منه اقتص ، وإن كره ذلك فداه سيده أو بيع فيه رقبته ، وإن كان لم يتعمد فلا قصاص عليه ، والعقل في رقبته إلا أن يفديه سيده .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان : ما جنى في ردته فهو عليه وفي ماله ، وقال في الرجل المسلم يرتد عن الإسلام ، ثم يقتل [رجلا] خطأ ، ثم يلحق بدار الحرب أو يقتل على ردته قال : الدية فيما اكتسب في حال الإسلام وحال الردة .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : وهو أن لا شيء عليه في حال ارتداده إذا حارب ونابذ المسلمين . هكذا قال بعض الناس . [ ص: 513 ]

                                                                                                                                                                              وقال : قد أجمعوا أن أهل الحرب لا شيء عليهم فيما أصابوا من دم في حال حربهم ثم أسلموا لقول الله عز وجل : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) ، وفي القياس أنه إذا ارتد وحارب ونبذ إلى المؤمنين على سواء عاد إلى حكم المحاربين ، غير أنهم قد أجمعوا أن من ارتد إلى عبادة الأوثان ثم سأل أن يدخل معاهدا لم يقبل منه غير الإسلام ، فإذا بدل دينه ولم يناصبهم الحرب بأن ينبذ إليهم على سواء ، والقياس أن كل شيء أصابه في هذه الحال ثم تاب من كفره فهو به مأخوذ ، ولا يبطل عنه إسلامه ما لزمه من حد وقصاص وقود .

                                                                                                                                                                              واختلف قول الشافعي في هذا الباب فقال في الكتاب المعروف بالواقدي : وإذا عرضت الجماعة لقوم من مارة الطريق ، وكابروهم بالسلاح ، فإن قتلوا وأخذوا المال . . فذكر جنايات المحاربين وما يجب عليهم فيها ، ثم قال : ولو ارتدوا عن الإسلام ، ثم فعلوا مرتدين ، ثم تابوا لم يقم عليهم شيء من هذا ، بأنهم فعلوه وهم مشركون ممتنعون . قد ارتد طليحة فقتل ثابت بن أقرم وعكاشة بن محصن بيده ثم أسلم فلم يقد منه ولم يعقل ، لأنه فعل ذلك في حال الشرك ، إلا أن يوجد مال رجل بعينه في يديه فيؤخذ منه .

                                                                                                                                                                              وقال في كتاب المرتد : وإذا جنى المرتد في حال ردته على آدمي جناية عمد في مثلها القصاص ، فالمجني عليه بالخيار في أن يقتص منه ، [ ص: 514 ] أو يأخذ قدر الجناية من ماله الذي كان له قبل الردة ، أو اكتسب بعدها ذلك كله سواء ، وكذلك ما حرق لآدمي أو أفسد لآدمي كان في ماله ولا تعقل العاقلة عنه شيء كان في حال ردته ، ويكون ذلك في ماله ، وهكذا قال في كتاب جراح العمد أن الجنايات تلزم المرتدين في حال الارتداد ، وأن الحكم عليهم كالحكم على المسلمين لا يختلف في العقل والقود ، والضمان ما يضمنون ، وسواء قبل أن يقهروا أو بعدما قهروا فتابوا أو لم يتوبوا لا يختلف ذلك .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية