الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر مال المرتد المقتول على ردته

                                                                                                                                                                              واختلفوا في مال المرتد المقتول على ردته .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : ميراثه لورثته من المسلمين ، هذا قول الليث بن سعد ، وإسحاق بن راهويه ، والنعمان .

                                                                                                                                                                              9667 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي عمر الشيباني ، أن علي بن أبي طالب جعل ميراث المرتد لورثته من المسلمين .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا قول الحسن البصري ، والشعبي ، والحكم وروي ذلك عن سعيد بن المسيب ، وعن كتاب عمر بن عبد العزيز .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي في المرتد : إن كان لحق بدار الحرب فماله بمنزلة دمه ، وإن كان قام في دار الإسلام مع ولده وأهله استتيب ، فإن [ ص: 500 ] راجع الإسلام لم ينزع منه ماله الذي اكتسب في ردته ، وإن أبى قتل ، وكان سبيل ماله واحدا ، يقسم بين ورثته .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان في الرجل المسلم يرتد عن الإسلام ، وله مال في حال الإسلام ، ومال اكتسبه في حال الردة ثم أسلم ، قال : ذلك المال كله له ، وإن لحق بدار الحرب أو مات على ردته فما كان له في حال الإسلام فهو لورثته الأحرار المسلمين ، وما اكتسب في حال ردته فهو فيء .

                                                                                                                                                                              وقال يعقوب ومحمد : ما اكتسب قبل الردة وبعدها فهو لورثته .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : لا يرث [المرتد] ورثته من المسلمين ولا يرثهم ، لأنه كافر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يرث المسلم الكافر" . هذا قول مالك بن أنس ، وبه قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث : وهو أن ماله لورثته المسلمين ، وما أصاب في ارتداده فهو فيء للمسلمين ، هذا قول سفيان الثوري . [ ص: 501 ]

                                                                                                                                                                              وقد اختلف في هذه المسألة عن أحمد بن حنبل ، فحكى إسحاق بن منصور عنه أنه قال : ميراث المرتد للمسلمين ، يقتل ويؤخذ ماله مات أو قتل واحد ، لأن دمه كان مباحا ، وذكر الأثرم أنه سأل عنه فقال : كنت أقول فيه ثم جبنت عنه ، قال : هو كما ترى قتل على كفر فكيف [يرثه] المسلمون ؟ قلت له : كنت تقول : ميراثه في بيت المال ، قال : نعم . وضعف أبو عبد الله الحديث الذي روي عن علي أن ميراث المرتد لورثته المسلمين .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : مال المرتد إذا قتل أو مات على ردته [يضعه] الإمام حيث يحب في الوجوه الذي يفرق فيه مال الفيء ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : بكفر بعد إيمان . . . . " .

                                                                                                                                                                              وقد أجمعوا على أن دم المرتد إنما أبيح لكفره بعد إسلامه ، فإذا ثبت كفره وجب أن لا يرث ولا يورث ، للثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم" .

                                                                                                                                                                              9668 - حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : أخبرنا أبي ، حدثنا الليث ، عن ابن الهاد ، عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن [ ص: 502 ] أسامة بن زيد ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" .

                                                                                                                                                                              9669 - وأخبرنا محمد بن علي ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة بن زيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم" .

                                                                                                                                                                              وقال قائل : ميراثه لأهل الكفر من قرابته ، لأن في قوله : "لا يرث المسلم الكافر" دليل على أن يرث الكافر الكافر ، وغير جائز أن يكون ماله فيئا ، لأن الله ذكر مال الفيء في كتابه فقال : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) وليس بمغنوم ولا من أموال الصدقات ، لأن الغنيمة والصدقات معلوم مخارجها ، وليس يخلو الأموال التي يليها الأئمة من أحد هذه الوجوه الثلاث ، وأولى الناس بما يخلفه المرتد ورثته من الكفار .

                                                                                                                                                                              وقال بعضهم : من عارض هذا القول لم يختلفوا أن المرتد لا يرث أحدا من الكفار ، وإذا لم يرثهم لم يرثوه ، لأن الناس يورثون من حيث يرثون . [ ص: 503 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية