الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مسألة

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يخنق الرجل بحبل حتى يموت في خناقه : فقال كثير من أهل العلم : عليه القود . هذا قول عمر بن عبد العزيز ، وإبراهيم النخعي ، والشافعي ، أحمد بن حنبل . وحكي ذلك عن مالك بن أنس ، وعبيد الله بن الحسن .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : قاله حماد بن أبي سليمان قال في رجل خنق حتى قتل ، قال : هو خطأ . وفي كتاب محمد بن الحسن : ولو أن رجلا خنق رجلا حتى مات أو طرحه في بئر فمات ، أو ألقاه من ظهر جبل ، أو من سطح فمات لم يكن عليه القصاص ، وكان على عاقلته الدية ، وإن كان خناقا قد خنق غير واحد [معروفا ] بذلك فعليه القتل .

                                                                                                                                                                              وحكى آخر عن النعمان : أن الرجل إذا خنق رجلا بمخنقة [خناقا ] حتى قتله أن الدية على عاقلته ، ثم زعم أنه إن وجد قد خنق غير مرة في المصر وغير المصر فللإمام أن يقتله .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : جعل المقتول بالخنق وإن عمده في معنى الخطأ ، [ ص: 82 ] وجعل الدية على العاقلة ، ثم زعم أنه إن وجده قد خنق غير مرة فعليه القود ، فجعله مثل العامد ، يقال لمن يقول بقوله : هل رأيت بابا من أبواب القصاص يكون فاعله في أول فعله مخطئا وإن عمد الفعل ، فإذا ثنى أو ثلث ففعل مثل فعله الأول فعليه القود ، لأنه في معنى العامد ، ما لهذا القول معنى ، وفي إجماعهم على أن هذا قاتل ، إذ لا أعلم أحدا يدفع أنه قاتل ، والنعمان قائل معهم ذلك ، لأنه قال : حتى قتله مع تعمده القتل ما يوجب عليه القود ، لأنه قاتل : قتل عمد ، وقد ثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : "ومن قتل له قتيل فأهله بين خيرتين ، إن أحبوا العقل ، وإن أحبوا القود " ، وقال : "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث " ، وقد ذكرت الحديث في غير موضع من هذا الكتاب ، وفيه : "أو قتل نفس فيقتل به " ، وقال الله - جل ذكره : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) ، وقال : ( كتب عليكم القصاص في القتلى ) وهذا مقتول عمدا ، فعلى ظاهر الكتاب والسنة عليه القود ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعل على اليهودي الذي رضخ رأس الجارية بالحجر القود ، وهذا في معناه مع أن حكاية قول هذا القائل حيث يفرق بين فعله الأول وبين أن يفعله مرات بغير حجة ما أغنى عن الإدخال عليه . [ ص: 83 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية