الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر الخيار الذي جعل لأولياء الدم واختلاف أهل العلم فيه

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يقتل الرجل عمدا : فقالت طائفة : الأولياء بالخيار إن شاؤوا قتلوا القاتل ، وإن شاؤوا أخذوا الدية ، وإن شاؤوا عفوا . [ ص: 117 ]

                                                                                                                                                                              كان سعيد بن المسيب يقول في الرجل يقتله النفر قال : يعفو عن من شاء ، ويقتل من شاء ، ويأخذ الدية ممن شاء . وكذلك قال الشعبي إلا أنه قال : ويصالح من يشاء . وقال ابن سيرين في الرجل يقتله الرجلان : له أن يقتل أحدهما ويأخذ الدية من الآخر . وقال عطاء في قاتل العمد يموت ويترك مالا قال : ديته في ماله .

                                                                                                                                                                              وقال قتادة : يجبر القاتل على أن يعطي الدية ، وتلا قوله ( فمن عفي له من أخيه شيء ) الآية .

                                                                                                                                                                              وقد روينا في قوله ( فمن عفي له من أخيه شيء ) عن ابن عباس وغيره أخبارا تدل على صحة هذا القول . وممن قال بأن الأولياء بالخيار إن شاؤوا عفوا وإن شاؤوا أخذوا الدية وإن شاؤوا قتلوا : الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              وقال عبد العزيز بن أبي سلمة : الأولياء بالخيار إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا أخذوا الدية .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة في قتل العمد : ليس لهم إلا الدم إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا عفوا إلا أن يشاء القاتل أن يعطي الدية هذا قول النخعي . [ ص: 118 ]

                                                                                                                                                                              وقال الحسن في رجل قتله ثلاثة نفر ، فأراد وليه أن يعفو عن بعض ، ويأخذ بعضا ، ويأخذ من بعض الدية قال : ليس له ذلك . وقال مالك في رجل قتل عمدا فقال أولياء المقتول : نحن نعفو ونأخذ الدية ، وقال القاتل : لا أعطيكم الدية ، ولكن اقتلوني قال : لا يكون لهم إلا القتل ، قال الله ( كتب عليكم القصاص في القتلى ) وكان مالك يقول : له أن يصالح على ديتين وثلاث .

                                                                                                                                                                              وقال قتادة : إذا اصطلحوا على ثلاث ديات فجائز ، إنما اشتروا به صاحبهم . وقال النخعي : ما يمنع به الدم فهو جائز وإن كثر . وكان الأوزاعي يقول : إذا اشترك رجلان في قتل رجل فأراد الولي قتل أحدهما وأخذ الدية من الآخر قال : يكره أن يأخذ عقلا ودما .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : الكتاب والسنة يدلان على أن أولياء المقتول بالخيار ، فأما الكتاب فقوله عز وجل ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) ، وأما السنة : فثبوت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين " .

                                                                                                                                                                              9370 - أخبرنا محمد بن عبد الله قال : أخبرنا ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي شريح الكعبي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من قتل قتيلا فأهله بين خيرتين ، إن قتلوه ، وإن أحبوا أخذوا العقل " .

                                                                                                                                                                              9371 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن محمد بن إسحاق ، عن الحارث بن فضيل ، عن سفيان بن أبي [ ص: 119 ] العوجاء ، عن أبي شريح الخزاعي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار أحد ثلاث : إما أن يقتص ، وإما أن يأخذ الدية ، وإما أن يعفو ، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه ، فمن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم " .

                                                                                                                                                                              9372 - أخبرنا حاتم بن منصور ، أن الحميدي حدثهم قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي قال [حدثني يحيى بن أبي كثير قال : حدثني أبو سلمة قال : ] حدثني أبو هريرة قال : لما افتتح الله على رسوله مكة [قام ] فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين : إما أن يفدى ، وإما أن يقتل " .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية