الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              [ ص: 5 ] جماع الأبواب التي توجب الآداب

                                                                                                                                                                              ذكر الحد في التعريض

                                                                                                                                                                              ثابت عن عمر بن الخطاب أنه كان يحد في التعريض بالفاحشة الحد تاما .

                                                                                                                                                                              9252 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، ومحمد بن الصباح ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب كان يحد في التعريض بالفاحشة .

                                                                                                                                                                              9253 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا محمد بن الصباح قال : أخبرنا الوليد ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن عمر أنه كان يجلد الحد تاما في التعريض .

                                                                                                                                                                              9254 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان قال : حدثني أبو الرجال ، عن أمه عمرة : أن عمر بن الخطاب أتي في رجل ساب آخر ، فقال أحدهما : ما أبي بزان ولا أمي زانية ، فسأل عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : مدح أباه وأمه ، فضربه عمر الحد .

                                                                                                                                                                              وبه قال عروة بن الزبير ، ومالك بن أنس ، وأحمد بن حنبل ، [ ص: 6 ] وإسحاق ، وفرق عبد الملك الماجشون بين التعريض الذي يحد فيه والذي لا يحد فيه ، فقال : إذا قال الرجل للرجل اللين الحلقة اللين الكلام : ما أنا بلين الكلام ، وما أنا بموضع الحلقة ، وما أنا بمخنث وما أنا بمتأنث ، فإن قال : إنما أردت بقولي ما فيه اللين والتأنيث ، فهو شتم وفيه الأدب ، وإما يحنث ، فعليه اليمين ، ما أراد بها قذفا ثم عليه الأدب . وأما الذي لا يخرج به من الحد فالذي يقول للرجل : ما أنا بزان ، فعليه الحد ، وهو الذي جاء فيه الأثر عن عمر أو يقول : إني لعفيف الفرج ، وما أنا بزان ، ولا يطعن في فرجي ، فهذا كله كلام زنى فيه صاحب فعليه الحد .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وذكر كلاما طويلا تركت ذكره هاهنا ، وتحديدات لا يرجع في شيء منها إلى حجة من كتاب ولا سنة .

                                                                                                                                                                              9255 - وكان أحمد يقول : روى ابن أبي ذئب ، عن [الزهري ] ، عن سالم ، عن ابن عمر : أن رجلا قال : ما أنا بزان ولا أمي زانية ، فجلده عمر الحد ، ولم يقل هكذا غير ابن أبي ذئب .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : لا حد في التعريض ، وأوجبت فيه التعزير ، هذا مذهب عطاء بن أبي رباح ، وعمرو بن دينار ، وقتادة ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي . [ ص: 7 ]

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن سمرة بن جندب أنه قال : من عرض عرضنا له ، ومن مشى على الكلأ ألقيناه في النهر . فسره بعضهم قوله : من عرض عرضنا له بقول : عاقبناه . وقوله : من مشى على الكلأ ألقيناه في النهر يقول : من باح بالفرية حددناه .

                                                                                                                                                                              9256 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا قتادة عن الحسن ، عن سمرة وزياد قال أحدهما : من عرض عرضنا له ، ومن صرح صرحنا له . وقال الآخر : من عرض عرضنا له ، ومن ركب الكلأ قذفناه في النهر .

                                                                                                                                                                              9257 - حدثنا علي بن الحسن قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن محمد بن سيرين قال : قال سمرة : من عرض عرضنا له ، ومن مشى على الكلأ ألقيناه في النهر .

                                                                                                                                                                              قال عبد الله : قول سمرة : من عرض عرضنا له ، يقول : عاقبناه . وقوله من مشى على الكلأ ألقيناه في النهر .

                                                                                                                                                                              يقول : من أباح بالفرية حددناه .

                                                                                                                                                                              وقال سعيد بن المسيب : إنما الحد على من نصب الحد نصبا .

                                                                                                                                                                              وقال عطاء : لا حد إلا في الإفصاح .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن غير واحد من التابعين معنى قول هؤلاء . [ ص: 8 ]

                                                                                                                                                                              وقد احتج الشافعي في إسقاطه الحد عن المعرض بحديث أبي هريرة .

                                                                                                                                                                              9258 - حدثنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة أن رجلا من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي ولدت غلاما أسود ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "هل لك من إبل " . قال : نعم . قال : "فما ألوانها ؟ " . قال حمر . قال : "هل فيها من أورق ؟ " قال : نعم. قال : "أنى ترى ذلك ؟ " قال : عرقا نزعه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "فلعل هذا نزعه عرق " .

                                                                                                                                                                              قال الشافعي : وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة أنه ذكر أن امرأته ولدت غلاما أسود . وهو لا يذكره إلا منكرا له ، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم وضربه له المثل بالإبل ، يدل على ما وصفت من إنكار وتهمته المرأة ، فلما لم يره النبي صلى الله عليه وسلم قذفا يحكم عليه فيه باللعان أو الحد ، إذا كان لقوله وجه يحتمل أن لا يكون أراد به القذف من التعجب ، والمسألة [عن ] ذلك لا قذف امرأته ، استدللنا على أن لا حد في التعريض وإن غلب على السامع أن المعرض أراد القذف إن كان له وجه يحتمله ، ولا حد إلا في القذف الصريح ، وذكر قول الله - تبارك [ ص: 9 ] وتعالى - : ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء ) قال : فأحل التعريض ، وفي إحلاله إياها تحريم للتصريح .

                                                                                                                                                                              وكان أحمد يقول : معنى هذا الحديث : أن الرجل شك في ولده ولم يرم امرأته بشيء ، وكذلك قال إسحاق .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : من صرح بالقذف وجب عليه الحد بظاهر كتاب الله ، ومن عرض لم نجز إلزامه الحد ، إلا بحجة من كتاب أو سنة أو إجماع ، وما احتج به الشافعي حسن بين . والحجة إنما تجب على من أثبت الحد ، وليس على من قال : لا حد عليه ، حجة .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية