الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ما لا تحمله العاقلة وما اختلف فيه منه

                                                                                                                                                                              أجمع أهل العلم على أن العاقلة لا تحمل دية العمد ، وأجمعوا على أنها تحمل دية الخطأ .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الحر يقتل العبد خطأ ، فقالت طائفة : لا تعقل العاقلة عبدا ، ولا عمدا ، ولا صلحا ، ولا اعترافا . كذلك قال ابن عباس والشعبي .

                                                                                                                                                                              9594 - حدثنا موسى ، حدثنا يحيى ، قال : حدثنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : لا تعقل العاقلة عمدا ، ولا عبدا ، ولا صلحا ، ولا اعترافا .

                                                                                                                                                                              وبه قال سفيان الثوري ، والليث بن سعد . وممن قال لا تحتمل العاقلة عبدا : مكحول ، والنخعي ، ومالك بن أنس ، وعثمان البتي ، وأحمد ، وإسحاق . وقال الحسن البصري فيمن أقر أنه قتل خطأ .

                                                                                                                                                                              قال : في ماله . وكذلك قال عمر بن عبد العزيز ، وسليمان بن موسى ، والزهري ، وأحمد ، وإسحاق . [ ص: 358 ]

                                                                                                                                                                              وقال الزهري : لا تحمل العاقلة العمد وشبه العمد والاعتراف ، و الصلح هو عليه في ماله ، إلا أن تعينه العاقلة .

                                                                                                                                                                              وكان ابن أبي ليلى يقول في العبد : لا تعقله العاقلة . ورجع أبو يوسف إلى هذا القول فقال : على القاتل قيمته ما بلغ حالا .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل : لا تعقل العاقلة الصلح ، ولا الاعتراف ، ولا العبد إذا قتل عبدا خطأ أو عمدا .

                                                                                                                                                                              وكذلك قال إسحاق .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : بقول مالك قال : وذلك أن كل جاني فجنايته في ماله ، إلا جاني أجمعوا أنه لا ضمان عليه .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : تعقل العاقلة العبد . كذلك قال عطاء ، والزهري ، والحكم وحماد .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي في موضع فيها قولان : أحدهما ، تحمله العاقلة ، والثاني : لا تحمل ، لأنه قيمة لا دية ، و [قال] في كتاب إذا قتل الرجل خطأ عقلته العاقلة ، لأنها إنما تعقل جناية في نفس محرمة قد [ ص: 359 ] يكون فيها القود ، وتكون فيها الكفارة كما تكون في الحر بكل حال ، فهو بالنفوس أشبه منه بالأموال هو لا يجامع الأموال إلا أن في ديته قيمته ، فأما سوى ذلك فهو مفارق للأموال مجامع للنفوس في أكثر أحكامه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : إما أن العبد بالأحرار أشبه منه بسائر الأموال والدواب ، وكذلك الجنايات على الأنفس خطأ لم يوجد قياسا ولا يعقل فيه العبد ، فيجوز القياس على ذلك والجنايات ففي أموال الجناة إلا أن تخص السنة شيئا ، أو يجمع أهل العلم على شيء فيقال به ، ويكون ما اختلف فيه بعد ذلك مردودا إلى أن الجنايات على الجناة على ظاهر الكتاب والسنة .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المعترف بجناية خطأ ، فقالت طائفة : لا يلزمه ما أقر به ، لأنه أقر على غيره ، وذلك أن جناية الخطأ على الأنفس على العاقلة كذلك السنة فإذا أقر الجاني بشيء أوجبته السنة على غيره لم يلزمه في نفسه ، والله أعلم . هذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وكان ابن عبد الحكم يقول : ومن أقر بقتل رجل خطأ ، فلا أرى عليه في ماله شيئا .

                                                                                                                                                                              وبه قال مالك : إن لم يتهم في قوله أن يكون محاباة ، فأرى أن يصدق إذا كان مأمونا ، وتحمله العاقلة بقسامة خمسين يمينا ، هذه رواية ابن عبد الحكم عنه . [ ص: 360 ]

                                                                                                                                                                              وحكى ابن وهب عنه أنه قال في رجل أقر أنه قتل خطأ : أن عاقلته لا تعقل ذلك عنه ، إلا أن يكون مع إقراره شيء يشد قوله .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فأما في مذهب سفيان الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، والنعمان ، وصاحبيه : فعليه الدية في ماله دون عاقلته إذا أقر به ، وقد ذكرنا هذا القول عن الشعبي والزهري .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقول أبي ثور يدل عليه النظر ، والله أعلم ، وذلك أن المقر بقتل خطأ ، إنما أقر بشيء على غيره وإن صدقه الأولياء ، فهو أولى أن يكون كذلك ، لأن الولي إذا قال : إنك قتلته خطأ فقد برأه من الدية وأقر بأن ذلك على العاقلة ، لأن السنة قد حكمت بالدية على العاقلة ، ولا يجوز تحويل ما جعلته السنة على العاقلة إلى أن يجعل ذلك على المقر بالجناية ، وكما لا يلزم العاقلة دية العمد ، كذلك لا يكون على الجاني دية الخطأ بحكم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك على العاقلة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية