الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مسألة :

                                                                                                                                                                              واختلفوا في القتيل يوجد في المحلة .

                                                                                                                                                                              فقال أصحاب الرأي : هو على أهل الخطة ، وليس على السكان شيء ، فإن باعوا جميعا دورهم فوجد بعد ذلك قتيل في محلتهم أو مسجدهم فإن القسامة والدية على المشتري ، فليس على الساكن شيء ، وإن كان أرباب الدور غيبا ، وقد أكروا دورهم فوجد قتيل في المحلة ، فإن القسامة والدية على أرباب الدور الغيب ، وليس على السكان الذين وجد القتيل بين أظهرهم شيء ، وكذلك إذا وجد القتيل في الدار فإن الدية والقسامة على عاقلة أرباب الدار ، وليس على الساكن شيء إذا كانت الدار في يديه بكراء . ثم رجع يعقوب من بينهم عن هذا القول فقال : القسامة والدية على السكان في الدور ، وحكي هذا القول عن ابن أبي ليلى [وحكى الثوري هذا القول عن ابن أبي ليلى ] وذكر أنه أخذه من أهل خيبر أنه قال : كانوا عمالا يعملون سكانا يوجد القتيل فيهم ، قتيلا في دالية فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأولياء القتيل : "أتقسمون خمسين يمينا" . قال سفيان : ونحن نقول : هو على [ ص: 441 ] أصحاب الأصل - يعني أصحاب الدار - وقال أحمد : القول قول ابن أبي ليلى في القسامة لا في الدية ، وحكى الشافعي عن ابن أبي ليلى أنه قال : الدية على السكان والمشتري معهم وأهل الخطة ، وكذلك إذا وجد في الدار فهو على أهل القبيلة ، قبيلة تلك الدار والسكان الذين فيها . قال : وقول النعمان المعروف : ما بقي من أهل الخطة رجل فليس على المشتري شيء . وقال الشافعي : ذلك كله سواء لا عقل ، ولا قود إلا ببينة تقوم ، أو بما يوجب القسامة فيقسم الأولياء . وقال الوليد بن مسلم : سألت الأوزاعي عن قتيل وجد في مزرعة ، وسكان المزرعة أحرار مسلمون ، ويهود ، ونصارى ، وصاحب المزرعة غائب ؟ قال : فالقسامة على سكان المزرعة ، قال : فذكرت ذلك لابن المبارك فقال : هذا قول ابن أبي ليلى ، قال ابن المبارك : فذكرت للثوري فقال : أقيس القولين قول ابن أبي ليلى ؟ ! وذكر قصة خيبر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها على أهل خيبر وسكانها يومئذ يهود .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : أما ما قاله أصحاب الرأي فتناقض لا حجة معهم في التحديدات التي حددوها ، وقد كان اللازم للنعمان في مذهبه أن تكون دية الأنصاري [الذي] قتل بخيبر لازمة للمهاجرين والأنصار ، لأنهم أرباب خيبر هم افتتحوها ، وكانت أملاكهم فيها ثابتة ، ويجب في مذهبه أن يكون اليهود من ذلك براء ، لأنهم سكان غير مالكين . [ ص: 442 ]

                                                                                                                                                                              وزعم أصحاب الرأي في القتيل يوجد في مسجد الجامع أو في سوق المسلمين حيث لا ملك لأحد فيه أن ديته على بيت المال ، وليس فيه قسامة ، فإن كانت علتهم في ترك القسامة في هذه المسألة أن هذا لا يدرأ من قتله فالقتيل بين القريتين لا يدرى من قتله ، وإن قالوا : إنما تركا إيجاب القسامة فيه أن الموضع الذي وجد فيه القتيل ليس بملك لأحد فمساجد القبائل لا يملكها أحد ، وحكاية هذا القول تجزئ عن الإدخال على قائله .

                                                                                                                                                                              وذكر حميد الطويل أن قتيلا وجد بين [قشير] وبين عائش في أصحاب القوارير ، فكتب فيه عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز ، فكتب عمر : إن من القضاء قضايا لا يقضى فيها إلى يوم القيامة ، وإن هذه منهن ، وقال سفيان الثوري : إذا وجد قتيل على جسر فعلى بيت المال ديته .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية