الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر وقت الطلاق للعدة التي أمر الله - جل ذكره - به

                                                                                                                                                                              قال الله - جل ذكره - : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) الآية.

                                                                                                                                                                              7597 - حدثنا سهل بن عمار، حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: طلقت امرأتي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مره فليراجعها حتى تطهر، ثم تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فليطلقها إن شاء قبل أن يجامعها أو يمسكها؛ فإنها العدة التي أمر الله - عز وجل - أن تطلق لها النساء".

                                                                                                                                                                              7598 - حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا موسى بن عقبة، حدثني نافع، أن عبد الله بن عمر طلق امرأته على [عهد] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض تطليقة واحدة، فاستفتى عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم يمهلها حتى تحيض عنده حيضة، ثم يمهلها حتى تطهر، فإذا أراد أن يطلقها فليطلقها من قبل أن يجامعها.

                                                                                                                                                                              فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء. [ ص: 135 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: حديث ابن عمر يدل على سبعة معان:

                                                                                                                                                                              يدل على أن طلاق ابن عمر كانت طلقة واحدة؛ إذ لا رجعة لمن طلق ثلاثا.

                                                                                                                                                                              ودل هذا الحديث على أن زوجة ابن عمر كانت مدخولا بها؛ إذ موجود في كتاب الله إسقاط العدة عمن لم يدخل بها، وهو قوله: ( فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) .

                                                                                                                                                                              ودل على أن الله - عز وجل - إنما خاطب بالطلاق للعدة من قد دخل على زوجته؛ إذ محال أن يقال لمن لا عدة على زوجته: طلق للعدة.

                                                                                                                                                                              وفي الحديث أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المطلق زوجته حائضا بالرجعة لتطلق للعدة، خلاف الطلاق للبدعة.

                                                                                                                                                                              وفيه معنى خامس: وهو أن المطلق في طهر قد جامعها فيه يراجع زوجته وهو مطلق لغير السنة، كالمطلق زوجته وهي حائض، فلما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدهما بالرجعة كان الآخر في معناه؛ إذ كل واحد منهما مطلق لغير السنة.

                                                                                                                                                                              وفيه معنى سادس: وهو أن المطلق للسنة هو الذي يطلق في طهر أمامها حيضة لم يوقع فيها طلاق معصية، بين ذلك في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فليطلقها إن شاء قبل أن يجامعها أو يمسكها؛ فإنها العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء".

                                                                                                                                                                              7599 - أخبرنا محمد بن عبد الله، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك، وابن أبي ذئب، أن نافعا أخبرهم، عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء".

                                                                                                                                                                              قال ابن أبي ذئب في الحديث: وهي واحدة. [ ص: 136 ]

                                                                                                                                                                              وفيه معنى سابع: وهو أن من قال لزوجته وهي حائض: إذا طهرت فأنت طالق، غير مطلق للعدة؛ إذ المطلق للسنة إنما هو الذي يكون مخيرا وقت طلاقه بين إيقاع الطلاق أو تركه، وبين أن من سبق منه هذا القول في وقت الحيض زائل عنه الخيار.

                                                                                                                                                                              7600 - وحدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع ابن عمر يقول: قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن) .

                                                                                                                                                                              وروي عن ابن عباس أنه قال: الطلاق على أربعة منازل:

                                                                                                                                                                              منزلان حلال، ومنزلان حرام، فأما الحرام فأن يطلقها حين يجامعها، [ ص: 137 ] لا يدري اشتمل الرحم على حمل أم لا؟ وأن يطلقها وهي حائض.

                                                                                                                                                                              وأما الحلال فأن يطلقها لأقرائها طاهرا من غير جماع، وأن يطلقها حاملا مستبينا حملها.

                                                                                                                                                                              7601 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن موهب بن نافع، أنه سمع عكرمة يحدث عن ابن عباس قال: الطلاق على أربع منازل.

                                                                                                                                                                              وممن رأى من أهل العلم بأن الطلاق للسنة أن يطلقها طاهرا في قبل عدتها: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن المسيب، وعمرو بن دينار، وقتادة، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومالك بن أنس، وأهل المدينة، والشافعي وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وكذلك نقول.

                                                                                                                                                                              والحجة فيه ظاهر كتاب الله - عز وجل - والأخبار الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما لا نعلم أهل العلم اختلفوا فيه. [ ص: 138 ]

                                                                                                                                                                              7602 - حدثنا الحسن بن علي بن عفان، حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود في قوله: ( فطلقوهن لعدتهن ) : طاهر من غير جماع.

                                                                                                                                                                              7603 - حدثنا علي بن الحسن، حدثنا عبد الله، عن سفيان، حدثنا أبو إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: من أراد أن يطلق للسنة كما أمره الله فليطلقها طاهرا من غير جماع.

                                                                                                                                                                              7604 - حدثنا علي بن الحسن، حدثنا عبد الله، عن سفيان، عن سيف، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن من قبل عدتهن) طاهرا من غير جماع.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية