الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مسألة

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يقذف امرأته بالزنا برجل سماه بعينه .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: إذا جاءا يطلبان، حد للرجل ولاعن زوجته، فإن أبى حد لها أيضا. هذا قول أبي ثور، وحكي عن مالك، وربيعة أنهما قالا: يحد للرجل ويلاعن للمرأة . [ ص: 501 ]

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: لا يحد للرجل الذي رماه بهذا إذا ذكر الرجل في اللعان، قال: فإن أخطأ وقذفها برجل ولم يلتعن بقذفه فأراد الرجل حده أعاد عليه اللعان، و [إلا] حد [له] إن لم يلتعن .

                                                                                                                                                                              وحكى أبو ثور عن الكوفي أنه قال: إن حد للذي رماها به فلا لعان بينه وبينها، فإن كان المقذوف عبدا أو مكاتبا أو مدبرا أو ذميا فلا حد على الزوج ويلاعن. وكذلك حكاه غير أبي ثور عنهم .

                                                                                                                                                                              وقال أبو بكر: يحد للرجل ويلاعن لزوجته. وإذا جاءا يطلبان فإن حق كل واحد منهما غير حق الآخر، وأحق الناس بهذا القول من قال: إذا قذف رجلين في كلمة واحدة أن لكل واحد منهما حقا غير حق الآخر، وقد ذكرت الحجة في هذا الكتاب في غير هذا الموضع .

                                                                                                                                                                              وإذا قذف رجل زوجته بالزنا وشهد شاهدان على إقرارها بالزنا وهي تجحد فلا حد عليها ولا عليه ولا لعان. كذلك قال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              وإذا قذفها فقال: هي أمة لم تعتق، فالقول قوله مع يمينه، وعلى المرأة أن تقيم البينة، ولا حد عليه ويلاعن، فإن لم يفعل عزر .

                                                                                                                                                                              هذا قول الشافعي، وبه قال أبو ثور، وأصحاب الرأي. غير أن [ ص: 502 ] أصحاب الرأي لا يرون بين الحر والأمة لعانا. وكذلك إن قال: هي ذمية فالقول فيه عندهم كما قالوا في الأمة، وإن عرف أن المقذوفة حرة الأصل مسلمة فعلى الزوج اللعان ولا يصدق عليها في قولهم جميعا.

                                                                                                                                                                              وإذا ادعت أنه قذفها وأنكر الزوج استحلف في قول الشافعي، وأبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لا يمين في حد .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "واليمين على المدعى عليه" قولا عاما، وهذا مدعى عليه والله أعلم .

                                                                                                                                                                              وإذا ادعى الزوج أنها قد صدقته في مقالته، وأنها قد زنت استحلف في قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لا أستحلفها، وعليه اللعان، وإذا ثبتت البينة أنه قذفها منذ سنة أخذ باللعان أو يحد، وكذلك لو ثبتت البينة أنه طلقها بعد ذلك وبانت منه ثم تزوجها لاعن أو يحد في قول الشافعي، وأبي ثور، وحكى أبو ثور ذلك عن مالك .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لا يبطل اللعان طول المكث ويلاعن، فإن أقام الزوج البينة أنه طلقها بعد ذلك طلاقا بائنا وخطبها وتزوجها فلا لعان بينهما ولا حد، أبطل اللعان الفرقة التي دخلت بينهما .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: إذا ثبت الحق لم يبطله طول الأيام، ولا يبطله الطلاق . [ ص: 503 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية