الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر [الوثنيين] يسلم أحدهما

                                                                                                                                                                              أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الزوجين الوثنيين إذا أسلم أحدهما قبل صاحبه [و] لم يدخل الزوج بامرأته أن الفرقة تقع بينهما . [ ص: 303 ]

                                                                                                                                                                              وأجمع كذلك كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنهما إذا أسلما معا، أنهما على النكاح، دخل بها أو لم يدخل بها .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الوثنيين يسلم أحدهما دون الآخر، وهي مدخول بها. فقالت طائفة: تقع الفرقة بإسلام أيهما أسلم منهما. هذا قول الحسن، وعكرمة، وقتادة، والحكم، وطاوس، ومجاهد، وعطاء . وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: إذا أسلم المتخلف منهما عن الإسلام قبل انقضاء عدة المرأة فهما على النكاح. هذا قول الزهري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: قال سفيان الثوري : إذا أسلم المجوسي وتحته المجوسية ولم يكن دخل بها، فأبت أن تسلم فليس لها مهر، وإن أسلمت المجوسية تحت المجوسي عرض عليه الإسلام، فإن أسلم فهما على نكاحهما، وإن أبى أن [يسلم] فرق بينهما، ولها المهر إن كان دخل بها، وإن لم يكن دخل بها فلها نصف المهر .

                                                                                                                                                                              وقال مالك: إذا أسلم الرجل قبل امرأته وقعت الفرقة بينهما [لأن الله] - تبارك وتعالى - يقول في كتابه: ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) إذا عرض عليها الإسلام فلم تسلم . [ ص: 304 ]

                                                                                                                                                                              وفيه قول رابع: قاله أصحاب الرأي: قال ابن الحسن في كتابه: وإذا أسلم الرجل من أهل الحرب في دار الحرب فدخل بها أو لم يدخل، وهما جميعا في دار الحرب من غير أهل الكتاب، فإنهما على نكاحهما ما لم تحض ثلاث حيض، فإذا حاضت ثلاث حيض قبل أن تسلم انقطعت العصمة فيما بينهما. وكذلك لو كانت امرأة هي التي أسلمت ولم يسلم الزوج، فأما إذا أسلم واحد منهما - أيهما كان - وخرج إلى دار الإسلام قبل أن تنقضي عدة المرأة ولم يكن بينهما نكاح من قبل أن العصمة قد كانت انقطعت حين خرج إلى دار الإسلام. وإذا خرج أحدهما إلى دار الإسلام ثم أسلم، فقد انقطعت العصمة بينهما. ولو خرج الثاني مسلما لم يكن بينهما نكاح فلا يقع طلاقه عليها، لأن العصمة انقطعت فيما بينهما وهو خاطب، وليس على المرأة عدة .

                                                                                                                                                                              وقد احتج بعض من قال: ينفسخ النكاح بإسلام أيهما أسلم بقوله ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) قال: فكل امرأة لا تجوز للمسلم ابتداء عقد نكاحها، فليس له أن يتمسك بعقد نكاح كان قبل أن يسلم ولا يرجع إليه في عدة ولا غير عدة إلا بنكاح مستأنف، لأن الله - تبارك وتعالى - لما حرم على المشركين نكاح المسلمات، ونهى المسلمين عن نكاح المشركات فقال - جل اسمه - : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) ، ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) . كان استدبار [ ص: 305 ] تحريم ذلك في معنى استقباله، ولما أجمع أهل العلم أن عقد نكاح الكافر على المسلمة باطل .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في ثبوت عقده على الوثنية التي أسلمت كان حكم هذا المختلف فيه حكم المجمع عليه .

                                                                                                                                                                              فأما الأخبار التي احتج بها من زعم أنها موقوفة على العدة، فإن أسلم وهي في العدة فهو أحق بها، فهي مراسيل لا تقوم بمثلها الحجة .

                                                                                                                                                                              وقد اختلفوا في قصة أبي العاص بن الربيع فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رد زينب بنته عليه بالنكاح الأول، وروي أنه ردها عليه بنكاح جديد. وقال بعضهم: إنما كان قبل نزول الفرائض، وفي أسانيدها مقال .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية