الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مسائل:

                                                                                                                                                                              واختلفوا في قوله: وإذا حلف أن لا يطأ زوجته حتى تمضي سنة إلا مرة ففي قول الشافعي، وأبي ثور : ليس بمولي، ولا يحكم عليه بحكم الإيلاء من قبل أن له أن يطأها مرة بلا حنث، وإذا أصابها مرة كان موليا إن كان بقي من يوم أصابها من وقت اليمين أكثر من أربعة أشهر، وإن لم يكن بقي مقدار أربعة أشهر من السنة سقط الإيلاء عنه .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي كما قالا، غير أنهم قالوا: إن كان بقي من السنة أربعة أشهر فهو مولي .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يولي من امرأته ثم يطلقها تطليقة وتنقضي عدتها ثم ينكحها .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: هو مولي، هذا قول النعمان وأصحابه. وحكى أبو ثور هذا القول عن الشافعي .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان قاله الشافعي بمصر، قال: إذا طلقها فكانت أولى بنفسها منه بأن تنقضي عدتها، ثم نكحها نكاحا جديدا بعد العدة أو قبلها سقط حكم الإيلاء عنه بأنها صارت لو طلقها لم يقع عليه طلاقه، فلا يجوز أن يكون عليه حكم الإيلاء وهو لو أوقع لم يقع .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: أنه يعود عليه الإيلاء ما بقي من طلاقه شيء . [ ص: 369 ]

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: قال مالك: إن آلى منها فوقفته بعد الأربعة ثم تزوجها فلما مضت أربعة أشهر وقفته أيضا حتى بانت منه بالثلاث، ثم تزوجها بعد زوج يرجع عليه اليمين ونفقة امرأته، فإن فاء، وإلا طلق عليه السلطان. وكذلك هذا في الظهار لا يبطله طلاق الزوج إياها ثلاثا بترك الفيء طلاقها أو بطلاق غير ذلك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: إذا صارت [امرأة] المولي أحق بنفسها، وصارت في حال لو طلقها زوجها أو آلى منها أو تظاهر، لم يقع عليها طلاقه، ولا إيلاؤه، ولا ظهاره، فقد سقط حكم الإيلاء عنه، فإن تزوجها بعد ذلك فوطئها فعليه الكفارة، ولا يوقف لها. وهذا أحد قولي الشافعي، وبه قال أبو ثور .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يولي من امرأته مرارا في مجلس واحد .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: إنما هو إيلاء واحد، وعليه كفارة واحدة إذا وطئ .

                                                                                                                                                                              كذلك قال أبو ثور، وحكي ذلك عن الشافعي .

                                                                                                                                                                              وكان النعمان، ويعقوب يقولان: إذا تركها حتى تمضي أربعة أشهر كانت واحدة إذا أراد التغليظ والتشديد قالا: ندع القياس في هذا، ونأخذ بالاستحسان، وكان ينبغي في القياس أن تبين بثلاث .

                                                                                                                                                                              وقال زفر ومحمد: من هذا تبين بثلاث . [ ص: 370 ]

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يحلف بثلاثة أيمان في مجالس مختلفة لا يطأ أهله .

                                                                                                                                                                              ففي قول أبي ثور كفارة واحدة .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا تركها أربعة أشهر من المجلس الآخر، وقع عليها ثلاث تطليقات إذا كانت في العدة، وإذا قال: إن قربتك فعلي يمين لله وهدي، وكذلك إن قال: إن قربتك فعلي كفارة يمين. هذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: هو مولي في الوجهين جميعا .

                                                                                                                                                                              وإذا حلف العبد ثم حنث في يمينه فأعفاه مولاه فأعتق أو أطعم أجزأه في قول أبي ثور، فإن لم يطعم صام .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: يصوم ثلاثة أيام لا يكون عليه غير ذلك .

                                                                                                                                                                              وهذا أحد قولي الشافعي .

                                                                                                                                                                              فإذا قال: أنت علي كامرأة فلان - وقد كان فلان آلى من امرأته - وهو ينوي الإيلاء .

                                                                                                                                                                              ففي قول أصحاب الرأي: يكون موليا. وقالوا: إذا آلى من امرأته ثم أشرك أخرى معها كان باطلا. وقال الشافعي : إذا آلى من امرأته ثم أشرك أخرى معها لم تكن بشريكتها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: هذا عندي غير مولي في الوجهين جميعا .

                                                                                                                                                                              وإذا حلف الرجل بعتق رقيقه لا وطئ زوجته، فإن باع رقيقه سقط عنه الإيلاء، [ ص: 371 ] فإن عادوا في ملكه بعد أن زال ملكه عنهم بشراء أو بغير شراء لم يعد عليه الإيلاء ولا يعتقونه. هكذا قال أبو ثور، وهو أحد قولي الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقد قال الشافعي : إن عادوا إلى ملكه فهو مولي. هكذا قال أصحاب الرأي. وقال الأوزاعي : إذا باع غلامه الذي حلف يعتقه لا يطؤها قبل الأربعة الأشهر سقط الإيلاء .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يحلف لا يطأ زوجته حتى تفطم ولدها .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: ليس بمولي إذا أراد الإصلاح. روي هذا القول عن الحسن البصري، وبه قال قتادة، والأوزاعي . وحكى أبو ثور عن الشافعي أنه قال: هو مولي، وحكى عنه الربيع أنه قال: لا يكون موليا، لأنها قد تفطمه قبل الأربعة أشهر إلا أن يريد: لا أقربك أكثر من أربعة أشهر .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول: إذا أمكنه الجماع فهو مولي، فإن جامع كفر، وإن تركها حتى تمضي أربعة أشهر فوقفته وقف .

                                                                                                                                                                              وفيه قول سواه وهو: ما كان بينه وبين الفطام أربعة أشهر، وهو ينوي ذلك الفطام لا ينوي دونه فهو مولي، وإن كان بينه وبين الفطام أقل من أربعة أشهر فليس بمولي. هذا قول أصحاب الرأي . [ ص: 372 ]

                                                                                                                                                                              [ ص: 373 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية