الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الرجل يقذف زوجته فترد عليه القذف

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يقذف زوجته بالزنا فتقول: زنيت بك ويطلبان معا .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: تسأل المرأة فإن قالت المرأة: عنيت أنه أصابني وهو زوجي، حلفت ولا شيء عليها، وعليه أن يلتعن أو يحد، وإن [قالت] : زنيت به قبل ينكحني فهي قاذفة له، وعليها الحد ولا حد عليه، لأنها مقرة بالزنا ولا لعان. هكذا قال الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: ليس بينهما حد ولا لعان، قال: وهو استحسان كان ينبغي في القياس أن يلاعنها من قبل أن هذا ليس بتصديق له، لأن المرأة لا تزني بزوجها. وكان أبو ثور يقول: هذا خطأ، لأنها لا تخلو أن تكون صادقة فقد قذفها أو قذفته، فإن كان قولها تصديقا له فعليها الحد إذا أنكر ذلك، أو يكون تصديقها فيكون يلزمهما جميعا الحد. فأما إبطال الحد واللعان فهذا خطأ .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: إذا قال لها: يا زانية، فقالت: أنت أزنى مني، فعليه الحد أو اللعان ولا شيء [عليها] في قولها أنت أزنى مني، لأنه ليس بقذف إذا لم ترد به القذف .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: عليه اللعان، وليس قولها: أنت أزنى مني بقذف. وكذلك قال أبو ثور . [ ص: 471 ]

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : إذا قال لها: أنت أزنى الناس، لم يكن قاذفا إلا بأن يريد القذف ويعزر .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : هو قاذف. وحكي عن الكوفي أنه قال: لا يكون قاذفا .

                                                                                                                                                                              [وقال] أبو ثور : إذا قذف رجل امرأة رجل، فقال الزوج: صدقت، كان الزوج قاذفا .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: الزوج ليس بقاذف ولا حد عليه ولا لعان .

                                                                                                                                                                              قالوا: ولو قال الزوج: صدقت هي كما قلت. كان بينهما اللعان، لأن هذا قاذف .

                                                                                                                                                                              وإذا قذف الرجل امرأته فصدقته ثم رجعت فلا حد ولا لعان في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : إلا أن ينفي ولد فلا ينفى إلا بلعان، وكان الشافعي يقول: إذا قال لامرأته: يا زان كان عليه الحد أو اللعان. وهذا ترخيم، كما يقول الرجل لمالك: يا مال، ولحارث: يا حار .

                                                                                                                                                                              وإذا قالت هي له: يا زانية، فعليها الحد، لأنها قد أكملت له القذف وزادته حرفا أو حرفين. وكذلك قال أبو ثور ولم يعتل بما اعتل به الشافعي . [ ص: 472 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي إذا قال لها: يا زان كما قال الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان : إذا قال رجل لرجل: يا زانية، فلا حد عليه، وقال محمد بن الحسن: عليه الحد .

                                                                                                                                                                              إذا قذف الرجل فقذف نسوة له بكلمة واحدة أو كلمات قمن معا أو متفرقات لاعن كل واحدة منهن أو حد لهن، وأيتهن لاعن سقط [حدها] ، وأيتهن نكل عن أن يلتعن لها حد لها إذا طلبت حدها، أو يلتعن لهن واحدة واحدة، وكذلك قال أبو ثور : لكل واحدة منهن حق. وحكى ابن القاسم عن مالك أنه قال: من قذف ناسا شتى في مجلس واحد، أو مجالس مختلفة، أو في كلمة، أو كلام مختلف، أو واحد بعد واحد، فقام أحدهم: الأول أو الأوسط أو الآخر فضربه السلطان للذي قام عليه الحد فقام عليه بعد ذلك الذين قذفهم. قال مالك: لا حد عليه، وقد سقط الحد عنه، لأنه قد ضرب .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا قذف الرجل أربع نسوة له في كلمة واحدة أو كل واحدة في كلمة على حدة فرافعنه إلى الإمام جميعا أو متفرقات، فإن هذا سواء في اللعان كله، وعليه أن يلاعن كل واحدة منهن على حدة، وليس هذا كالحد لو كان الرجل محدودا في قذف جلد حدا واحدا لهن كلهن، وإن جئن متفرقات فإنما عليه حد واحد . [ ص: 473 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية