الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر نفي الولد عن الزوج باللعان وإلحاقه بالأم

                                                                                                                                                                              أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا الشافعي، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر : أن رجلا لاعن امرأته في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وألحق الولد بالمرأة .

                                                                                                                                                                              7760 - أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي وقال: سمعت سفيان بن عيينة قال: أخبرنا عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين: "حسابكما على الله، أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها". قال: يا رسول الله، مالي؟ قال: "لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو مما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها - أو منه" . [ ص: 452 ]

                                                                                                                                                                              7761 - حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، حدثني مسدد، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي قال: شهدت المتلاعنين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تلاعنا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وفي خبر ابن عمر دليل على أن زوج الملاعنة لا يرجع عليها بالمهر، وإن أقرت بالزنا وقامت بينة بأنها زنت، لقوله: "إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها - أو منه" .

                                                                                                                                                                              ولو قال قائل إن في قوله: "إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها" دليل على أن المهر إنما يجب على المسيس لا بالخلوة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإيجاب التفريق بين المتلاعنين .

                                                                                                                                                                              واختلف أهل العلم في الوقت الذي يزول فيه فراش المرأة وتقع الفرقة بينهما .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: تقع الفرقة بينهما بإتمام اللعان، وذلك أن يلتعن الرجل والمرأة اللعان كله، وإذا كان ذلك وقعت الفرقة بينهما . [ ص: 453 ]

                                                                                                                                                                              هذا قول مالك بن أنس، وأبي عبيد، وأبي ثور، وقد روي ذلك عن ابن عباس، وبه قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن، والأوزاعي، وعبيد الله بن الحسن .

                                                                                                                                                                              7762 - حدثنا موسى بن هارون، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا ابن مبارك، عن أبي مودود، عن زيد مولى قيس الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إذا التعن الرجل خمسا، والمرأة خمسا، فقد [برئ] كل واحد منهما من صاحبه .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن الفرقة تقع بإكمال الزوج اللعان قبل أن تلتعن المرأة وبه يزول الفراش، وإن مات أحدهما وقد أكمل الزوج اللعان لم يتوارثا. هذا قول الشافعي .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أن اللعان لو تم بإكمالها ذلك ثم مات أو ماتت قبل أن يفرق القاضي بينهما أن الميراث بينهما، لأن القاضي لم يفرق بينهما. هذا قول أصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: بقول مالك ومن وافقه أقول .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في معنى قوله: ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: معناه أن يقول الحاكم بعد التعانهما: قد فرقت بينكما .

                                                                                                                                                                              هذا تأويل يتأوله بعض أهل العراق من أصحاب الرأي . [ ص: 454 ]

                                                                                                                                                                              وقالت فرقة: معنى قوله: ففرق بينهما بين أن اللعان هو الفرقة .

                                                                                                                                                                              قال: وهذا الرجل شهدت عليه بينة بأنه طلق زوجته ثلاثا، وأنفذ الحاكم ما شهد به عليه، فقد يجوز في الكلام أن يقال: فرق الحاكم بينهما، وليس معنى ذلك أنهما على نكاحهما حتى يفرق الحاكم بينهما ولو كان كذلك لوجب أن يؤتوا بالحاكم في التفريق بينهما يوما أو شهرا حتى مات أحدهما لن يرثه الآخر، وكذلك اللعان إنما التفريق بينهما إنفاذ التفريق وقد أمضاه .

                                                                                                                                                                              وقد ذكرنا باقي الحجج في الكتاب الذي اختصرت منه هذا الكتاب .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وبهذا أقول، وفي إجماعهم على أن زوجة الملاعن لا تحل له بعد زوج إذا لم يكذب نفسه، دليل بين أن النكاح لو لم يكن منفسخا باللعان لكان طلاق العجلاني يقع عليها وكانت تحل له بعد زوج .

                                                                                                                                                                              7763 - وفي خبر مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه فرق بين المتلاعنين وألحق الولد بالأم؟ دليل على ما قلناه، لأنهم لما أجمعوا على أن الولد لاحق بالأم، وإن لم يتكلم بذلك الحاكم وجب كذلك أن تقع الفرقة بين المتلاعنين وإن لم يتكلم بذلك الحاكم، لأن ذكرهما في الحديث ذكر واحد، ولما أجمعوا على وجوب أحدهما وإن لم يتكلم بذلك الحاكم كان وجوب الآخر مثله .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أن من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولد للفراش [ ص: 455 ] فلما أخبر بأن الولد ينتفي بالالتعان عن الفراش دل ذلك على زوال الفراش الذي بزواله يزول الولد، ودل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا سبيل لك عليها" على ما قلنا أن معنى تفريقه بينهما، إعلامه أن لا سبيل لك عليها، وعلى الحاكم أن يعرفهما بعد التعانهما أنهما لا يجتمعان أبدا إذا كانا جاهلين بذلك كما أعلمهما النبي صلى الله عليه وسلم - أن لا سبيل له عليها .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية