الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الكنايات عن الطلاق

                                                                                                                                                                              كقوله: الحقي بأهلك، وحبلك على غاربك، ولا سبيل لي عليك، وما أشبه ذلك من الكلام.

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يقول لامرأته: الحقي بأهلك، أو حبلك على غاربك، أو ما أشبه ذلك. [ ص: 176 ]

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: ينوي في ذلك، فإن أراد طلاقا كان ما أراد، وإن لم يرد طلاقا لم يلزمه شيء.

                                                                                                                                                                              روي عن عمر وعلي أن رأيهما اجتمع في قول الرجل لامرأته: حبلك على غاربك على أن يستحلف عند الركن ما أراد.

                                                                                                                                                                              7655 - حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن كثير بن شنظير، عن عطاء، أن رجلا قال لامرأته: حبلك على غاربك، فسأل عليا وعمر، فاجتمع رأيهما على أن يستحلف عند الركن: ما نوى؟

                                                                                                                                                                              7656 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ليث، عن مجاهد، أن رجلا قال لامرأته في زمن عمر: حبلك على غاربك، فاستحلفه عمر بين الركن والمقام، فقال: أردت الطلاق ثلاثا، فأمضاه عليه.

                                                                                                                                                                              وقال النخعي : إذا قال لامرأته: اذهبي فانكحي، قال: ليس بشيء إلا أن يكون نوى طلاقا فهي واحدة، وهو أحق بها.

                                                                                                                                                                              وقال طاوس: إذا قال لها: قومي واذهبي، ونحو هذا، كان طلاقا.

                                                                                                                                                                              وقال الحسن والشعبي : إذا قال لامرأته: الحقي بأهلك، أو لا سبيل لي عليك، أو الطريق لك واسع، إن كان نوى طلاقا فهي واحدة، وهو أحق بها، وإن لم ينو طلاقا فليس بشيء. [ ص: 177 ]

                                                                                                                                                                              وقال مسروق : كل كلام يشبه الطلاق أريد به الطلاق فهو طلاق.

                                                                                                                                                                              وقال مالك : إذا قال: الحقي بأهلك، إن لم يكن أراد به الطلاق فلا يكون طلاقا، وإن أراد الطلاق فهو ما نوى من الطلاق واحدة أو ثنتين أو ثلاثا.

                                                                                                                                                                              وقد كان الشافعي يقول في قوله: أنت طالق، أو قد فارقتك، أو قد سرحتك: يلزم الطلاق في كل واحدة منهما، ولا ينوي في الحكم وفي سائر الكنايات، مثل قوله: أنت خلية، أو برية، أو بائن، أو: اذهبي، أو تقنعي، أو اخرجي، وفي سائر الكنايات هو فيه كله غير مطلق حتى يقول: أردت الطلاق، فتكون طالقا بإرادة الطلاق مع الكلام الذي يشبه الطلاق.

                                                                                                                                                                              وقال إسحاق بن راهويه في قوله: اختاري، أو اذهبي، أو أمرك بيدك، أو الحقي، أو اخرجي، قال: ينوي؛ لأنه كلام يشبه الطلاق، وكل كلام يشبه الطلاق فهو على ما نوى.

                                                                                                                                                                              وقال الزهري : إذا قال: قد سرحتك إلى أهلك، قال: تطليقة، إلا أن يكون نوى الطلاق كله. وفي قوله: الحقي بأهلك: تطليقة.

                                                                                                                                                                              وقال قتادة في قوله: قد خليت سبيلك، ولا سبيل لي عليك: واحدة وما نوى.

                                                                                                                                                                              وقال عكرمة في قوله: الحقي بأهلك وهو يريد الطلاق، قال: واحدة، وهو أحق بها. [ ص: 178 ]

                                                                                                                                                                              وكان سفيان الثوري يقول في قوله: اذهبي والحقي بأهلك ونحو هذا، قال: نيته إن نوى ثلاثا قبلت، وإن نوى واحدة فواحدة بائنة، وإن لم ينو شيئا فلا شيء، ولا تكون ثنتين.

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا قال: أنت مني بائن، أو بتة، فإنه يسأل عن نيته، فإن لم ينو الطلاق لم يقع عليها طلاق، وإن نوى الطلاق فهو ما نوى، وإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة، وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة؛ لأنها كلمة واحدة فلا تقع على اثنتين، وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث، وإن نوى الطلاق ولم ينو عددا منه فهي واحدة بائنة، وكذلك كل كلام يشبه الفرقة مما أراد به الطلاق فهو مثل هذا القول: حبلك على غاربك، أو: قد خليت سبيلك، ولا ملك لي عليك، والحقي بأهلك، واخرجي، واستبرئي، وتقنعي، واعتدي، وإذا قال الرجل لامرأته: لا حاجة لي قبلك، فإن النعمان قال: ليس بطلاق، وبه يأخذ.

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : إن قال: لم أرد طلاقا، فليس بطلاق، وإن قال: أردت طلاقا، فهو طلاق، وهي واحدة إلا أن يكون أراد أكثر منها، ولا يكون طلاقا إلا أن يكون أراد إيقاع الطلاق.

                                                                                                                                                                              وكان مالك يقول: لا أرى أن ينوي أحد في حبلك على غاربك، [ ص: 179 ] لأن هذا لا يقوله أحد وقد أبقى من الطلاق شيئا.

                                                                                                                                                                              وكان أبو عبيد يقول في قوله: الحقي بأهلك، وحبلك على غاربك، ولا سبيل لي عليك، وما أشبه ذلك: إنها تطليقة، يكون فيها [الرجل] مالكا للرجعة، إلا أن يكون أراد ثلاثا، واحتج بحديث الكلابية.

                                                                                                                                                                              7657 - حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن أسد الجهني، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي قال: سألت الزهري : أي نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - استعاذت منه؟ فقال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة أن ابنة الجون الكلابية لما أدخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فدنا منها قالت: أعوذ بالله منك، فقال: "لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك".

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية