الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الطلاق المشكل الذي لا يعلم له وجوب ولا بطول

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجلين يحلفان على الشيء يختلفان فيه كاختلافهما في الطير، يقول أحدهما: هذا غراب ويحلف عليه بالطلاق، ويقول الآخر: بل هو حمام ويحلف عليه بالطلاق.

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: يدينان.

                                                                                                                                                                              كذلك قال عطاء، والشعبي، والحارث العكلي، والزهري، والثوري، وهو يشبه مذهب الشافعي وأبي ثور.

                                                                                                                                                                              وقال مالك في الرجل يقول: امرأته طالق إن كان فعل كذا وكذا، ويقول الآخر: امرأته طالق إن لم يكن فعله، قال: يدينان ذلك جميعا، ولا يحسبان. [ ص: 267 ]

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن يحمل الطلاق عليهما جميعا.

                                                                                                                                                                              هذا قول مكحول.

                                                                                                                                                                              وسئل الشعبي عن رجل قال لآخر: إنك لحسود، قال: أحسدنا امرأته طالق ثلاثا، فقال الآخر: نعم.

                                                                                                                                                                              فقال الشعبي : خبتما جميعا وخسرتما، وبانت منكما امرأتكما.

                                                                                                                                                                              وحكى أبو عبيد عن أهل العراق قولين:

                                                                                                                                                                              أحدهما: أن يدينا.

                                                                                                                                                                              والآخر: كالقول الثاني الذي ذكرناه.

                                                                                                                                                                              وبهذا القول قال أبو عبيد.

                                                                                                                                                                              وقال قتادة في رجل له حق على رجل، فقال المطلوب: قد قضيتك وإلا فامرأته طالق، وقال الطالب: امرأته طالق إن كنت قضيتني.

                                                                                                                                                                              قال: على المطلوب البينة أنه قد قضى له، فإن أقام البينة طلقت امرأة الطالب، وإن لم يأت حلف الطالب بالله ما قضاني، ثم طلقت امرأة المطلوب.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.

                                                                                                                                                                              ولا يجوز أن يدفع شك الحنث يقين النكاح.

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: إذا شك بالطلاق لم ألزمه بالشك في الحكم، والورع له أن يطلقها.

                                                                                                                                                                              وكان أحمد بن حنبل وإسحاق يقولان: إذا حلف بطلاق امرأته لا يدري واحدة أم ثلاثا، أما الواحدة فقد وجبت عليه، وهي عنده حتى يستيقن.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: هذا كما قال الشافعي . [ ص: 268 ]

                                                                                                                                                                              ومن حديث إسحاق بن راهويه، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن ربيعة في رجل طلق فشك في واحدة أو ثلاث، قال: يرجع إلى يقينه ويلغي الشك.

                                                                                                                                                                              قال: وقال الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز: أفرق بالشك ولا أجمع بالشك.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية