الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الفيء من الإيلاء بالجماع لمن لا عذر له

                                                                                                                                                                              قال الله - جل من قائل - : ( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم ) .

                                                                                                                                                                              فأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الفيء الجماع. كذلك قال ابن عباس . وروي ذلك عن علي وابن مسعود . وبه قال مسروق، والشعبي، وسعيد بن جبير، وعطاء، والنخعي، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وإسحاق، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي: أن الفيء الجماع إذا لم يكن عذر .

                                                                                                                                                                              وقد اختلف أهل العلم في فيئة من لا يقدر على الجماع .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: إذا فاء بلسانه وقلبه فقد فاء. روي عن ابن مسعود أنه قال: الفيء الجماع فإن كان به علة من كبر أو مرض أو حبس يحول بينه وبين الجماع فإن فيئه أن يفيئ بلسانه وقلبه .

                                                                                                                                                                              وقال إبراهيم النخعي : إذا كان له عذر يعذر به من مرض أو سجن أو كبر أجزأه أن يفيء بلسانه .

                                                                                                                                                                              وقال أبو قلابة: إذا فاء في نفسه فهو جائز .

                                                                                                                                                                              وقال جابر بن زيد: لا يجزئه ذلك، فليس بشيء حتى يتكلم بلسانه . [ ص: 356 ]

                                                                                                                                                                              وقال الحسن والزهري : يفيء بلسانه .

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : إذا كان له عذر من مرض أو كبر، أو حبس فليفيء بلسانه، يقول: قد فئت، يجزئه ذلك .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا آلى وهو مريض فإن فيئه الرضا بقلبه ولسانه. وكذلك قال أبو عبيد .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : إذا كان به عذر لم يوقف، وإنما يوقف إذا تعذر الفيء، فإن كان لا يقدر من مرض أو علة لم يوقف حتى يصح أو يصل إن كان غائبا .

                                                                                                                                                                              وقال طائفة: إذا أشهد على فيئه أنه قد فاء إليها فذلك له. وقال علقمة والأسود وأصحاب عبد الله: إذا لم يستطع أن يأتيها فأشهد، فهي امرأته. وقال الأوزاعي : الفيء عندنا الجماع، يشهد أنه قد فاء، فإن أصابه مرض حاجب عن الوطء، أو سجن، أو نفاس امرأته أو كبر، أشهد على فيئه، ثم هو أملك بها. وقال أحمد بن حنبل : إذا كان له عذر مثل مرض أو سفر يفيء بقلبه. وقال مرة: يشهد إذا كان محبوسا أو مريضا .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان فيمن لا يقدر على الجماع بعذر: فيئه الرضا، أن يقول: قد فئت إليها، فإن كان على تلك الحال حتى تمضي أربعة أشهر فذلك الفيء ماض، وقد سقط الإيلاء، وإن قدر على أن يجامع [ ص: 357 ] في الأربعة الأشهر بطل الفيء الذي كان، ولم يكن فيئه إلا الجماع .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا يكون الفيء إلا الجماع في حال العذر وغيره .

                                                                                                                                                                              كذلك قال سعيد بن جبير، قال: الفيء الجماع لا عذر له إلا أن يجامع وإن كان في سفر أو سجن .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية