الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الطلاق قبل النكاح

                                                                                                                                                                              افترق أهل العلم في الطلاق قبل النكاح ثلاث فرق:

                                                                                                                                                                              فقالت فرقة: لا طلاق قبل نكاح.

                                                                                                                                                                              روي هذا القول عن علي بن أبي طالب، وابن عباس، وعائشة أم المؤمنين، وبه قال شريح، وسعيد بن المسيب [ ص: 231 ] ، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، والحسن، وعكرمة، وعروة بن الزبير، وعلي بن الحسن، وقتادة، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن مهدي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              واحتج ابن عباس، وعلي بن الحسين والحسن بقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ) الآية.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو إيجاب الطلاق قبل النكاح.

                                                                                                                                                                              روي ذلك عن ابن مسعود.

                                                                                                                                                                              وبه قال الزهري، وحكي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، والقاسم، وسالم، وبه قال النعمان، وأصحابه.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو إيجاب الطلاق على من خص امرأة من النساء أو من قبيلة بعينها أو بلد بعينه.

                                                                                                                                                                              روي هذا القول عن النخعي، والشعبي، قالا: إذا وقت امرأة أو قبيلة جاز.

                                                                                                                                                                              وإن [عم] كل امرأة فليس بشيء، وكذلك قال الحكم، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وبه قال مالك، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، وقال مالك : إذا قال: كل امرأة أنكحها [ ص: 232 ] عليك فهي طالق البتة، ثم نكح عليها، أن الطلاق الذي جعل على نفسه يلزمه.

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : إذا قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، وإن تزوجت من أخي فلان أو من أهل البصرة، أو من أهل الكوفة، إن وقت سنة أو أكثر، فإن تزوج وقع الطلاق عليها، فإن دخل بها فلها مهر ونصف؛ لأنه إذا تزوجها وقع عليها فلها نصف المهر، وإن كان دخل بها فلها نصف مهر من الزواج، ولها المهر بما دخل عليها، ويفرق بينهما.

                                                                                                                                                                              وفي هذه المسألة قول رابع وهو: إن كان نكح لم يؤمر بالفراق، وإن لم ينكح لم يؤمر بالتزويج.

                                                                                                                                                                              هذا قول أبي عبيد، وقال نحوا من هذا القول: أحمد بن حنبل، وقال فيمن إذا نص بها بعينها: فالكف أحب إلي، وإذا لم ينص بها لم يقع الطلاق.

                                                                                                                                                                              وقد حكي عن الأوزاعي نحو من هذا القول.

                                                                                                                                                                              وهذا غير القول الذي ذكرنا عنه.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول.

                                                                                                                                                                              يقول الله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ) الآية، فبدأ بالنكاح قبل الطلاق، والمطلق قبل النكاح بادئ بالطلاق قبل النكاح، ولأحاديث رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                              7707 - حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا (...) حدثنا أبو جعفر الرازي، عن مطر الوراق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا طلاق فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك، ولا بيع فيما لا يملك". [ ص: 233 ]

                                                                                                                                                                              7708 - حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا أيوب بن سويد، حدثنا ابن أبي ذئب، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا طلاق قبل نكاح".

                                                                                                                                                                              وحجة ثالثة: وهو أنهم مجمعون على صحة النكاح ومختلفون في رواية إذا طلق قبل أن ينكح، وغير جائز إزالة نكاح قد أجمعوا على صحته إلا بحجة من كتاب أو سنة أو إجماع.

                                                                                                                                                                              وحديث ابن مسعود غير ثابت. [ ص: 234 ]

                                                                                                                                                                              وحديث ابن عباس ثابت.

                                                                                                                                                                              وقد ذكرت باقي الحجج في الكتاب الذي اختصرت منه هذا الكتاب.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية