الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر امتناع الزوج من الالتعان بعد القذف أو امتناع المرأة من الالتعان بعد التعان الزوج

                                                                                                                                                                              قال الله عز وجل: ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا ) الآية. كان على ظاهر الكتاب على من رمى محصنة جلد ثمانين، زوجا كان الرامي [ ص: 484 ] أو غيره، لا يسقط ذلك عنه إلا بأربعة شهداء يشهدون له على تصديق ما قال، فلما رمى العجلاني امرأته بالزنا أنزل الله: ( والذين يرمون أزواجهم ) الآية فأخرج الله الزوج من عموم الآية بأن أقام لعانه الأربع مع الخامسة مقام الشهود الأربع، يدرأ بها عن نفسه الحد كما يدرأ سائر الناس عن أنفسهم بالشهود الأربع حد القذف. ولو امتنع الزوج من اللعان لوجب عليه حد القذف كما يجب على غير الزوج إذا لم يأت بأربعة شهداء، فإذا التعن الزوج وجب حد الزنا على المرأة إلا أن تدفع ذلك عن نفسها بالالتعان، لقوله: ( ويدرأ عنها العذاب ) والعذاب الذي تدرأ عن نفسها في هذا الموضع هو العذاب الذي ذكره الله في قوله: ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) فلما سمى حد الزنا عذابا كان ذلك العذاب الذي تدرأه عن نفسها دون تخيير الذي قاله، فيكون مستغنى بظاهر كتاب الله فيه عن غيره .

                                                                                                                                                                              وقد اختلف أهل العلم فيما يجب على المرأة إذا هي امتنعت من الالتعان بعد التعان الزوج .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: عليها الحد. كذلك قال الشعبي، ومكحول، ومالك بن أنس، والشافعي، وأبو عبيد، وإسحاق، وأبو ثور، وروي ذلك عن الضحاك بن مزاحم . [ ص: 485 ]

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان وهو: أنها تحبس إذا أبت أن تلاعن حتى تلتعن أو تقر بالزنا. كذلك قال الحسن البصري .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : تحبس ويضيق عليها حتى تلتعن أو تقر .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: أيهما نكل عن اللعان فإن الإمام ينبغي له أن يحبسه ويجبره على ذلك حتى يلتعن كما التعن صاحبه .

                                                                                                                                                                              وحكي ذلك عن الثوري .

                                                                                                                                                                              وقد اختلف في هذه المسألة عن أحمد، فحكي عنه قول ثالث وهو: أنها إن لم تحلف عند الخامسة لم ترجم، وقيل لها: اذهبي، والولد لها .

                                                                                                                                                                              وحكى الأثرم أنه قال: أما أنا فما كنت أرى عليها شيئا. وحكى عنه الميموني أنه قال: لا أقول فيها شيئا. والحكاية الأولى ذكرها إسحاق بن منصور عنه .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية