الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الطلاق والإيلاء يجتمعان

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يولي من امرأته ثم يطلقها .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: يهدم الطلاق الإيلاء .

                                                                                                                                                                              روي هذا عن [عبد الله] بن مسعود، وبه قال النخعي، وعطاء، والحسن، وقتادة، والأوزاعي .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: روي عن علي أنه قال: إذا سبق حد الإيلاء حد الطلاق فهما تطليقتان، وإن يسبق حد الطلاق حد الإيلاء فهي واحدة .

                                                                                                                                                                              وقال الشعبي، والحسن: هما كفرسي رهان، أيهما سبق أخذ به، وإن وقعا جميعا أخذ بهما .

                                                                                                                                                                              وكان سفيان الثوري يقول: إذا آلى الرجل ثم فارق بواحدة أو اثنتين لم يقدم الإيلاء، وإن مضت أربعة أشهر قبل أن تحيض ثلاث حيض بانت منه إن كان طلق بنيتين: بالإيلاء، وبالطلاق. وإن كانت حاضت ثلاث حيض قبل الإيلاء فليس الإيلاء بشيء تكون واحدة، [وهي] أحق بنفسها، وإن تزوجها بعد فالإيلاء كما هو لا ينتقض، فإن مضت أربعة أشهر قبل أن يجامعها بانت منه بواحدة وهي أحق بنفسها . [ ص: 350 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لا يهدم الطلاق الإيلاء، وإن مضت أربعة أشهر قبل أن تحيض ثلاث حيض بانت منه. وحكى أبو عبيد هذا القول عن سفيان وأهل العراق. وكان الزهري يقول: إذا آلى ثم طلق، أو طلق ثم آلى وقعا جميعا .

                                                                                                                                                                              وكان مالك يقول في الرجل يولي من امرأته ثم يطلقها فتنقضي الأربعة الأشهر قبل انقضاء عدة الطلاق فقال: هما تطليقتان إن هو وقف فلم يفء، وإن [مضت] عدة الطلاق قبل الأربعة الأشهر فليس الإيلاء بالطلاق إذا انقضت الأربعة الأشهر التي كان وقت بعدها، وليست به يومئذ بامرأة .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: إذا آلى ثم طلقها فمضت الأربعة الأشهر قبل أن تنقضي عدة الطلاق فلا وقوف عليه ولا طلاق ما لم يراجعها، لأنه ليس له أن يجامعها ما لم يراجعها .

                                                                                                                                                                              وقال أبو عبيد: والمعمول به عندي قول مالك وأهل المدينة أنه يوقف بعد الأربعة، وإن لم يكن بقي من عدة الطلاق إلا يوم واحد بعد أن تكون المرأة تريد ذلك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فإن آلى منها ثم طلقها فانقضت عدتها قبل مضي الأربعة الأشهر ففيما حكي لي عن سفيان وأصحاب الرأي أنهم [ ص: 351 ] قالوا: بانت منه بالطلاق، فإن هو تزوج بها بعد ذلك فالإيلاء كما هو ولا ينتقض، فإن مضت أربعة أشهر قبل أن يجامعها بانت منه بواحدة وهي أحق بنفسها .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: إذا تزوج بها بعد انقضاء العدة استأنف أربعة أشهر من يوم تزوج بها، فإن تركها بعد التزويج أربعة أشهر وطلبته بالجماع وقف .

                                                                                                                                                                              وفي قول أبي ثور إذا انقضت عدتها قبل مضي الأربعة الأشهر ثم تزوج بها فقد سقط عنها الإيلاء، ولا يعود إليه حكم الإيلاء إلا أن يجدد إيلاء فإن هو جامعها كفر عن يمينه، ولا شيء عليه غير ذلك، وهذا يشبه بعض مذاهب الشافعي في هذا الباب، وهو قول يحتمله النظر. والله أعلم، وذلك أن حكم ذلك النكاح إذا زال زالت أحكامه .

                                                                                                                                                                              وسئل سفيان الثوري عن رجل حلف أن لا يجامع امرأته أربعة أشهر فمضى شهران ثم طلقها تطليقة بائنة ثم تزوجها، قال: يستقبل أربعة أشهر ولا يحاسب بالشهرين اللذين كانا قبل ذلك .

                                                                                                                                                                              قال أحمد: لا بد من أربعة أشهر كوامل يبني على ما مضى. قال إسحاق كما قال أحمد .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يقول لامرأته: إن قربتك سنة فأنت طالق ثلاثا .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: إن تركها أربعة أشهر بانت بالإيلاء، وإن قربها قبل سنة فهي طالق ثلاثا، روي هذا القول عن النخعي، وجابر بن زيد، والحسن البصري . [ ص: 352 ]

                                                                                                                                                                              وقال مالك بن أنس: لا يحنث إلا أن يطأها، ونجعله مولي، وإن وطئها حنث، وطلقت عليه ثلاثا .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: إذا قال: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا أنه مولي فإن جامعها قبل مضي أربعة أشهر فقد حنث، وإن لم يطأها حتى تمضي أربعة أشهر وقف لها فإن جامعها حنث، وطلقت عليه ثلاثا، وإن لم يفعل طلق عليه، فإن لم يراجعها حتى تنقضي عدتها بانت منه ولم يقع عليها أكثر من واحدة، وإن راجعها فالإيلاء قائم بعينه على هذا حتى ينقضي طلاق ذلك الثلاث .

                                                                                                                                                                              وفي هذا الباب قول سوى ذلك وهو: أن ذلك ليس بإيلاء .

                                                                                                                                                                              كذلك قال عطاء .

                                                                                                                                                                              قال: ليس الطلاق [يمينا] فيكون إيلاء .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية