الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              جماع أبواب الطلاق المبتوت وما فيه من الأحكام

                                                                                                                                                                              ذكر طلاق الثلاث قبل الدخول بالمرأة

                                                                                                                                                                              أجمع أهل العلم على أن من طلق زوجته ولم يدخل بها تطليقة أنها قد بانت منه فلا تحل له إلا بنكاح جديد، ولا عدة له عليها.

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يطلق غير المدخول بها ثلاثا بلفظة واحدة.

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، كذلك قال ابن عباس، وأبو هريرة، وعائشة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وعبد الله بن مسعود، وروي ذلك عن علي بن زيد.

                                                                                                                                                                              7621 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن محمد بن إياس أنه قال: طلق رجل امرأته قبل أن يدخل بها ثلاثا، ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي، فذهب وذهبت معه أسأل له، فسأل أبا هريرة وابن عباس عن ذلك، فقالا: لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك. [ ص: 152 ]

                                                                                                                                                                              7622 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا يحيى، [عن] بكير بن عبد الله بن الأشج أن معاوية بن أبي عياش الأنصاري أخبره أنه كان جالسا عند ابن الزبير وعاصم بن عمر بن الخطاب، فأتاهم محمد بن إياس الليثي رجل من أهل البادية فقال: إن هذا تزوج امرأة ثم طلقها ثلاثا قبل أن يدخل بها، فقال ابن الزبير: ما عندي في هذا شيء، وقد تركت أبا هريرة وابن عباس عند عائشة، فائتهما فسلهما، ثم ائتنا فأخبرنا بما يقولان لك، فذهب ثم أتاهم فذكر أنه وجد أبا هريرة وابن عباس عند عائشة، فذكر لهم حديث الرجل، فقال ابن عباس : يا أبا هريرة أتتك معضلة، فقال أبو هريرة : الواحدة تبتها، والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره، ووافقه ابن عباس وعائشة على ذلك.

                                                                                                                                                                              7623 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، عن بكير بن الأشج، عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري، عن أبي هريرة، وعبد الله بن [عمرو] ابن العاص أنهما قالا في طلاق البكر: الواحدة تبتها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره. [ ص: 153 ]

                                                                                                                                                                              7624 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا يزيد، أخبرنا يحيى، عن بكير بن عبد الله، عن عطاء بن يسار قال: كنت عند عبد الله بن عمرو فأتاه رجل فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، فقلت للرجل: إن ثلاث البكر واحدة.

                                                                                                                                                                              فقال عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر في البكر إذا طلقها زوجها ثلاثا: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.

                                                                                                                                                                              7625 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر مثله.

                                                                                                                                                                              7626 - حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا الحجبي، حدثنا أبو عوانة، عن شقيق، عن أنس بن مالك في رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، قال: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.

                                                                                                                                                                              7627 - حدثنا محمد بن علي، حدثنا سعيد، حدثنا سفيان، عن شقيق، سمع [أنسا] يقول: قال عمر في الرجل يطلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها قال: هي ثلاث، لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وكان إذا أتي به أوجعه. [ ص: 154 ]

                                                                                                                                                                              7628 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن محمد بن إياس أن ابن عباس وأبا هريرة وعبد الله بن عمرو يسألون عن البكر يطلقها زوجها ثلاثا، وكلهم قال: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.

                                                                                                                                                                              7629 - حدثنا علي بن الحسن، حدثنا عبد الله، عن سفيان، حدثنا عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود قال: إذا طلق ثلاثا قبل أن يدخل بها، أنه كان يراها بمنزلة التي دخل بها.

                                                                                                                                                                              وقال بهذا القول عبد الله بن معقل، ومحمد بن سيرين، وعكرمة، وإبراهيم النخعي، والحكم، والشعبي، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وهو قول مالك، وأهل المدينة، وابن أبي ليلى، وسفيان الثوري، [ ص: 155 ] والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأبي عبيد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وكذلك نقول؛ إذ لا فرق بينها وبين المدخول بها، وأن طلاق الثلاث يلزمها.

                                                                                                                                                                              وكان سعيد بن جبير، وطاوس، وأبو الشعثاء، وعطاء، وعمرو بن دينار يقولون: من طلق البكر ثلاثا فهي واحدة.

                                                                                                                                                                              واختلف في هذا الباب عن الحسن، فروي عنه أنه قال كما رويناه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر قتادة، وحميد، ويونس عنه أنه رجع عن قوله بعد ذلك فقال: واحدة بائنة.

                                                                                                                                                                              واختلفت الأخبار عن ابن عباس في هذا الباب، فروى طاوس عنه أنه قال: كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، وروى سعيد بن جبير، ومجاهد، وغيرهما، عن ابن عباس خلاف رواية طاوس عنه.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية