الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر طعام الظهار

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم فيما يطعم المظاهر في كفارة الظهار .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: يطعم كل مسكين مدا من طعام . [ ص: 426 ]

                                                                                                                                                                              وروي هذا القول عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                              7749 - حدثنا علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد قال: حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يحدث عن أبي هريرة قال: ثلاث فيهن مد مد: كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة الصيام .

                                                                                                                                                                              وبه قال عطاء، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                                                                              وقد روي عن زيد بن ثابت، وابن عمر، وابن عباس، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، ومحمد بن سيرين أنهم قالوا: في كفارة اليمين مدا لكل مسكين .

                                                                                                                                                                              وبه قال الأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل وإسحاق، وأبو عبيد .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يطعم في كفارة الظهار نصف صاع لكل مسكين، هذا قول سفيان الثوري، وأصحاب الرأي . [ ص: 427 ]

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو صاع من تمر. وممن روي عنه أنه قال في كفارة اليمين نصف صاع من قمح، أو صاع من شعير، أو صاع من تمر لكل مسكين عمر بن الخطاب .

                                                                                                                                                                              وروي ذلك عن زيد بن ثابت أنه قال: مدان من حنطة .

                                                                                                                                                                              وهو قول مجاهد، والنخعي، وأبي مالك، وعكرمة، والشعبي، وأبي ثور .

                                                                                                                                                                              وفيه أيضا قول ثالث: وهو أن الإطعام في التظاهر [مد] حنطة بمد هشام .

                                                                                                                                                                              هذا قول مالك بن أنس قال: وهو أحب إلي، لأن الله لم يقل في الظهار: من أوسط ما تطعمون أهليكم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: يقال أن مد هشام مد وثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم . [ ص: 428 ]

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول: إذا أعطى طعاما أعطى كل واحد أربعة أرغفة يكون قدر رطلين مع إدام يابس، فإن أعطى برا أعطى نصف صاع لكل مسكين .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إن غداهم وعشاهم أجزأه، وكذلك إن غداهم، وعشاهم بخبز ليس معه إدام بعد أن شبعهم، وكذلك لو غداهم أو عشاهم بسويق أو تمر، ولو أطعم كل مسكين منهم نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أجزأه ذلك. والصاع مختوم بالحجاجي ثمانية أرطال، ولا يجزئ في قول الشافعي أن يغديهم ويعشيهم، ولا أن يعطيهم سويقا ولا دقيقا ولا خبزا حتى يعطيهموه حبا، ولا يجزئ في قول الشافعي أن يعطيهم قيمة الطعام، وهذا يشبه مذهب مالك. وقال أبو ثور كقول الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد في القيمة: أخشى أن لا تجزئه. وقال الأوزاعي : إن أعطى ثمنه أجزأه وأحب إلي أن يطعم .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لو أعطى كل مسكين قيمة الطعام عروضا فإنه يجزئه ما كانت العروض من شيء، ثم قال: ولو أعطى مسكينا مدا من حنطة وذلك يساوي صاعا من تمر لم يجزه وعليه أن يعيد على كل مسكين منهم مدا آخر . [ ص: 429 ]

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي في البدوي لا يقدر على الرقبة ولا الطعام ولا يستطيع الصيام ليسق ستين مسكينا من اللبن ثلاث شربات. وفي يوم: شربة بكرة، وشربة نصف النهار، وشربة عند غروب الشمس، يشبعهم في كل شربة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: لا يجوز إخراج قيمة الطعام، لأن من أعطى ذلك أعطى غير ما أمر به. ولا يجزئ في قول الشافعي، وأبي ثور إلا إطعام ستين مسكينا عددا، ولا يجوز في قولهم أن يرد عليهم، فيعطي أقل من هذا العدد. وهكذا قال أصحاب الرأي: لو أطعم الطعام كله مسكينا واحدا لم يجزه إذا كان ذلك ضربة واحدة. قالوا: ولو أطعمه كل يوم نصف صاع من حنطة حتى يستكمل ستين يوما أجزأه ذلك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: لا يجزئ إلا أن يعطي عددا ستين مسكينا، لأن الله عز وجل أمر بإطعام ستين مسكينا كما أمر شاهدين في البيع فلو [شهد] شاهد واحد مرتين في يومين كان شاهدا واحدا، وكذلك لو أعطى مسكينا في يومين كان أعطى مسكينا واحدا ولا يجزئ إلا أن يطعم العدد الذي أمر الله بإطعامهم .

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن أعطى من يحسبه فقيرا ثم علم غناه .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: لا يجزئه. كذلك قال الشافعي، وأبو ثور، وابن القاسم صاحب مالك، وأبو يوسف، وحكى أبو ثور عن الشافعي أنه قال: يجزئه . [ ص: 430 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يجزئه. هكذا قال النعمان، ومحمد .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: لا يجزئه، لأنه أعطى غير من أمر بإعطائه .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول: لا يعطي أم ولده ومملوكه ومدبره، وهذا على مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              وفي قول الشافعي، وأصحاب الرأي لا يعطي مكاتبه، وقال أبو ثور : إن أعطاه رجوت أن يجزئ، لأن لهم في الصدقات حق .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وعلة الشافعي حيث منع أن يعطي مكاتبه يقول: لعله يعجز فيرجع إليه. ولعل من علة أبي ثور أن يقول: قد يعطي قريبا فيمت ويرثه المعطي، فتكون العطية جائزة ولو مات فرجع إليه بالميراث لم يضره وفي هذا حديث .

                                                                                                                                                                              وفي قول مالك والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي: لا يجوز إعطاء العبيد من الزكاة .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول: لا بأس أن يعطى منه فقراء أهل الذمة، وفقراء أهل دار الحرب إذا كانوا في بلاد الإسلام مستأمنين وذلك أن الله قال: ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) . [ ص: 431 ]

                                                                                                                                                                              وقال ابن عباس : ما كان أسراهم إلا المشركين فأثنى الله عليهم كذلك .

                                                                                                                                                                              قال أصحاب الرأي: إذا أعطى فقراء أهل الذمة أجزأه فإن أطعم فقراء أهل دار الحرب [إذا كانوا] مستأمنين في دار الإسلام لم يجزئه، وفي قول الشافعي : لا يجوز أن يعطى من الكفارات ذمي . [ ص: 432 ]

                                                                                                                                                                              [ ص: 433 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية