الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الأمة تطلق ثم تعتق قبل أن تنقضي عدتها

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الأمة التي تطلق طلاقا يملك زوجها رجعتها أو لا يملك ثم تعتق قبل انقضاء العدة .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: إن كان طلاقه طلاقا يملك رجعتها أكملت عدة الحرة .

                                                                                                                                                                              وإن كان لا يملك رجعتها فعدتها عدة أمة. هذا مذهب الحسن البصري، [ ص: 556 ] والشعبي، والضحاك، وكان النخعي يقول في امرأة مات عنها زوجها ثم أعتقت فقال: تقضي على عدة الأمة، وليس عليها إلا عدة الأمة .

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري في الطلاق كما قال الحسن، وفي الوفاة كما قال النخعي .

                                                                                                                                                                              وكذلك قال أحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أنها تمضي في عدة الأمة وإن أدركها الحرية وهي في العدة، وسواء كان الطلاق مما يملك فيه الرجعة أو لا يملكها .

                                                                                                                                                                              هذا قول مالك بن أنس .

                                                                                                                                                                              وقد كان الشافعي إذ هو بالعراق يقول هذا القول، ثم قال بمصر: إذا كان طلاقا يملك فيه الرجعة أكملت عدة حرة، وإن كان لا يملك الرجعة ففيها قولان: أحدهما: أن تبني على العدة الأولى .

                                                                                                                                                                              والثاني: أن عليها أن تكمل عدة حرة. قال: وهذا أشبه القولين .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور كما قال مالك .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أن عدتها عدة حرة. كذلك قال الزهري، وعطاء، وقتادة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وسواء كان الزوج في قول مالك، والشافعي حرا أو مملوكا، الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء . [ ص: 557 ]

                                                                                                                                                                              وقد اختلف أهل العلم في الحر يطلق المملوكة، والمملوك يطلق الحرة أو المملوكة .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: الطلاق بالرجال، والعدة بالنساء. هذا قول زيد بن ثابت. وكان عثمان وزيد يقولان في العبد يطلق الحرة تطليقتين: حرمت عليه. وهذا قول ابن عمر .

                                                                                                                                                                              وروي عن ابن عباس أنه قال: الطلاق للرجال، والعدة للنساء ما كن .

                                                                                                                                                                              وممن قال أن الطلاق للرجال، والعدة للنساء: عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن المسيب . وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: الطلاق، والعدة بالنساء. هذا القول عن علي بن أبي طالب . وبه قال عبد الله بن مسعود. وبه قال الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وعكرمة .

                                                                                                                                                                              وقال عبيدة السلماني في حر طلق امرأته أمة تطليقتين ثم اشتراها: لا ينكحها حتى تنكح زوجا غيره. وهكذا قال مسروق، والزهري، والحكم، وحماد، وهو قول سفيان الثوري، والنعمان . [ ص: 558 ]

                                                                                                                                                                              وقد روي عن ابن عمر قول ثالث وهو: أن الطلاق بأيهما رق وبه قال الأوزاعي .

                                                                                                                                                                              قال ابن عمر: إذا كانت الحرة تحت المملوك فطلاقها تطليقتان، والعدة ثلاث حيض، فإذا كانت المملوكة تحت حر فطلاقها تطليقتان، والعدة على النساء .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، وذلك لأن الله - تبارك وتعالى - خاطب الرجال بالطلاق فقال: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ) الآية، وقال: ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن ) وقال: ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، وأمر النساء بالعدة فقال: ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) ، وقال: ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) وقد أجمع أهل العلم أن الحر إذا كانت تحته حرة أن طلاقه إياها لا تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره من جهة الطلاق إلا بالثلاث .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الحر تكون تحته الأمة، فطلقها تطليقتين . [ ص: 559 ]

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره .

                                                                                                                                                                              وقال آخرون: له أن يراجعها، وغير جائز أن تحرم عليه رجعتها إلا بحجة من كتاب أو سنة أو إجماع، ولا سبيل لمن خالفنا إلى إثبات ذلك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وحكم المكاتبة، والمدبرة، وأم الولد قبل أن تعتق فيما ذكرناه حكم الأمة . [ ص: 560 ]

                                                                                                                                                                              [ ص: 561 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية