الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اللعان بنفي الرجل حمل امرأته

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل ينتفي من حمل امرأته .

                                                                                                                                                                              فرأت طائفة أن يلاعن بالحمل. روي ذلك عن الشعبي، وعمر بن عبد العزيز، وبه قال ابن أبي ليلى، ومالك بن أنس، وأبو ثور، وكان الشافعي يرى ذلك إذا قذفها .

                                                                                                                                                                              ونفي الحمل أن يذكر الحمل في اللعان، وينفي عنه، وممن حكي عنه أنه رأى أن يلاعن بينهما على إنكار الحمل: الأوزاعي، وابن أبي ذئب، وعبيد الله بن الحسن، ومن حجة من قال هذا القول حديث عبد الله بن مسعود:

                                                                                                                                                                              7764 - حدثنا أحمد بن داود، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بالحمل . [ ص: 456 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وحديث سهل بن سعد يدل على أن زوجة عويمر كانت حاملا حين لاعن بينهما، بين ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "انظروها فإن جاءت به كذا فلا أراه إلا كذا" .

                                                                                                                                                                              7765 - أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا الشافعي، أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد أخبره، قال: جاء عويمر العجلاني إلى عاصم بن عدي فقال: يا عاصم، سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل وجد مع امرأته رجلا فيقتله أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم النبي صلى الله عليه وسلم فعاب النبي صلى الله عليه وسلم السائل فقال عويمر: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيهما فدعاهما فلاعن بينهما. قال عويمر: لئن انطلقت بها لقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروها فإن جاءت به [أسحم أدعج] عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا". فجاءت به على النعت المكروه. قال ابن شهاب: فصارت سنة بين المتلاعنين .

                                                                                                                                                                              7766 - حدثنا علي بن عبد الرحمن بن المغيرة علان، حدثنا ابن أبي مريم، أخبرني ابن أبي الزناد، حدثني أبي، أن القاسم بن محمد حدثه، عن عبد الله بن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني [ ص: 457 ] وبين امرأته وكانت حبلى فقال زوجها: والله ما قربتها منذ عفرنا - والعفر سقي النخل بعد أن يترك من السقي بعد الإبار شهرين - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بين". وزعموا أن زوج المرأة كان حمش الذراعين والساقين، أصهب الشعرة، وكان الذي رميت به ابن السحماء قال: فجاءت بغلام أسود أجلى جعد قطط عبل الذراعين خدلج الساقين .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: في هذا الحديث تفسير العفار، وقال بعض أهل اللغة: منذ [عفار النخل] يريد تلقيحها، وأهل المدينة يقولون: كنا في العفار إذا كانوا في إصلاح النخل وتلقيحها، يقال: عفرت النخل وأبرتها تأبيرا . [ ص: 458 ]

                                                                                                                                                                              وحكي عن الأصمعي أنه قال: يريد بعفرنا زرعنا البر والشعير. وقال: العفر: السقي بعد إلقاء الحب .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وكان عبيد الله بن الحسن يقول: إذا انتفى مما في بطن امرأته ولم يقذفها: إنه يلاعن. وأبى ذلك الشافعي، وقال: لا يلاعن إلا أن يقذفها .

                                                                                                                                                                              وفي هذه المسألة قول ثان: وهو أن لا يلاعن حتى تضع، لأنه لا يدري أفي بطنها ولد أم لا فإن رماها بالزنا لاعن. هكذا قال سفيان الثوري .

                                                                                                                                                                              وكان النعمان يقول: إذا نفى الرجل حمل امرأته وقال: هو من زنا فلا لعان بينهما ولا حد لأن نفي الولد في الحمل ليس بشيء، لا يدرى لعله ريح. وقال يعقوب، ومحمد : إن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ قذفها لاعن ولزم الولد أمه وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر فالقول كما قال النعمان .

                                                                                                                                                                              وكان أبو عبيد يقول: إنكار الحمل من أشد القذف، واللعان له لازم كان حملا أو لم يكن .

                                                                                                                                                                              وحكى ابن القاسم عن مالك، والليث أنهما قالا: إذا تصادق الزوج والمرأة أن الصبي ليس بابنه فلا نسب له، وتحد الأم عند مالك . [ ص: 459 ]

                                                                                                                                                                              وفي قول الشافعي : الولد لازم إذا علم أنها ولدته إلا أن يلاعن فينفي، ولا يصدقان على الولد إذا أجمعا على نفيه عن الأب إلا بلعان، لأن للولد حق .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية