الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الخلع على الشيء الحرام، مثل: الخمر والخنزير وغير ذلك

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يخالع زوجته بشيء حرام مثل الخمر والخنزير والميتة، وما أشبه ذلك .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: له مهر مثلها، والخلع واقع. كذلك قال الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا شيء له غير ما سمى. هكذا قال النعمان وأصحابه .

                                                                                                                                                                              وقال مالك: كل خلع وقع بصفة حرام كان الخلع جائزا ورد منه الحرام. قيل لابن القاسم : فهل يكون للزوج على المرأة شيء فيما ردت من ذلك في قول مالك؟ قال: لا، وهذا مذهب أبي ثور . [ ص: 337 ]

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يخالع المرأة على عبد بعينه فيتلف العبد بعد الخلع قبل أن يقبضه الرجل .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: عليها مهر مثلها. كذلك قال الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إن مات العبد قبل الخلع فإن له مهرها الذي أخذ منه، وإن مات بعد الخلع فإن له قيمته .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: قاله أبو ثور : قال: إن كان هذا هو النازل للعبد في يدها بعد الخلع فلا شيء له منها، وإن كانت منعته بعد الخلع فعليها قيمته، وإن كان مات قبل الخلع فالخلع باطل، لأن الخلع وقع على غير شيء. والله أعلم .

                                                                                                                                                                              وإذا خالعها على عبد فكان حرا. ففي قول الشافعي : له مهر مثلها .

                                                                                                                                                                              وفي قول أبي ثور : له قيمته .

                                                                                                                                                                              وفي قول أصحاب الرأي: يرجع عليها بالمهر الذي أعطاها. وقال أصحاب الرأي: إن استحقه رجل كان للزوج قيمة العبد. وكذلك قال أبو ثور . وفي قول الشافعي : له مهر مثلها .

                                                                                                                                                                              وإن اختلعت منه على عبد، ومهر مثلها ألف درهم على أن زادها ألف درهم، ثم استحق العبد .

                                                                                                                                                                              ففي قول أبي ثور : الخلع باطل. وفي قول أصحاب الرأي: يرجع عليها الألف إن كانت قبضتها . [ ص: 338 ]

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المرأة تقول لزوجها: اخلعني ولك ألف درهم فيفعل. ففي قول أبي ثور : الخلع واقع. قال: وذلك أن قولها: لك ألف ليس بضمان له، فإن طلقها فالطلاق لازم، ولا شيء له .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا قالت: اخلعني ولك ألف درهم، أو طلقني ولك ألف درهم ففعل، فالخلع والطلاق جائز، وليس له من الألف شيء، وهو يملك الرجعة. هذا قول النعمان .

                                                                                                                                                                              وفي قول يعقوب ومحمد: الطلاق بائن، والمال لها لازم .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : لو قالت له: اخلعني على ألف ففعل كانت له الألف ما لم يتناكرا، فإن قالت: إنما قلت علي ألف ضمنها لك غيري، أو علي ألف لي عليك لا أعطيك، أو علي ألف فلس، وأنكر، تحالفا، وكان له مهر مثلها. وإذا قال: أنت طالق وعليك ألف فهي طالق واحدة، له الرجعة، وليس عليها من الألف شيء في قول الشافعي والنعمان .

                                                                                                                                                                              وإذا اختلعت المرأة من زوجها بهذه الدن خل خمر فنظر فإذا هو خمر . [ ص: 339 ]

                                                                                                                                                                              ففي [قول] الشافعي : له مهر مثلها، وقال النعمان : ترد المهر الذي أخذت منه، لأنها قد غرته من ذلك. وقال أبو ثور : له ملء الدن خل من الخل الذي وصفته. وفي قول محمد بن الحسن: له مثل كيل ذلك الخل من خل وسط .

                                                                                                                                                                              وإذا اختلعت المرأة من زوجها إلى قدوم فلان أو إلى موته بشيء معلوم، فالخلع جائز في قول الشافعي، وله مهر مثلها، لأن ذلك إلى أجل مجهول .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: المال حال عليها .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول: الخلع جائز، والمال إلى ذلك الأجل، واحتج بأن الله - تبارك وتعالى - أنظر المعسر فقال: ( فنظرة إلى ميسرة ) قال: وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الميسرة .

                                                                                                                                                                              وكان ابن عمر يشتري إلى الميسرة، وقد باع تميم داره من عثمان واشترط سكناها إياه، وكل هذا إلى أجل مجهول قد فعله القوم، وأرى ذلك جائزا. وإذا اختلعت المرأة من زوجها بعرض من صوف أو طعام معلوم إلى أجل معلوم فهو جائز في قول الشافعي، وأبي ثور وأصحاب الرأي . [ ص: 340 ]

                                                                                                                                                                              وإذا تزوج رجل في مرضه امرأة مريضة على ألف درهم ولا مال له غيرها، ومهر مثلها مائة درهم، ثم اختلعت منه قبل أن يدخل بها، ثم ماتت من ذلك المرض، ومات الزوج، فإن مهرها مائة درهم، وبطلت الزيادة، وما اختلعت عليه فهو له ويكون لورثته من الألف تسعمائة، ويكون لورثتها مائة درهم، ولا يتوارثان، وذلك أن الخلع لا رجعة فيه. هكذا قال أبو ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: يكون لورثتها من الألف مائتا درهم وخمسة وسبعون درهما، ولورثة الزوج سبعمائة وخمسة وعشرون درهما .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية