وأما في عقوبة المبطل، فإن المبطلين رئيسهم من الجن إبليس، وأعظم رؤسائهم في الإنس فرعون، وإبليس ترك طاعة الله تعالى وعبادته، في السجود لآدم حذرا من نقص مرتبته بفضل آدم عليه السلام، فأداه ذلك إلى أن رضي بأن صار بأخس المراتب، وباع آخرته بدنيا غيره، كأخس القوادين، فإنه يهلك [ ص: 453 ] نفسه في إغواء بني آدم بتحسين شهوات الغي لهم، يتلذذون بالشهوات التي لا يلتذ هو بها، ثم إنهم قد يتوبون فيغفر لهم، وهو قد خسر وهلك من غير فائدة، مع أنه ليس بين كونه تابعا لهؤلاء في إرادتهم الخسيسة، وكونه تابعا لربه فيما أراد به من السجود لآدم نسبة في الشرف والرفعة، كما في الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الترمذي، «قال الشيطان: وعزتك لأغوين بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسامهم، فقال: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لأغفرن لهم ما استغفروني».
وهكذا فرعون استكبر أن يعبد رب السموات والأرض، خوفا من سقوط رياسته، ثم رضي لنفسه أن يعبد آلهة له قد صنعها هو، وهكذا تجد كل أهل المقالات الباطلة وأهل الأعمال الفاسدة، وإبليس إمام هؤلاء كلهم، فإنه اتبع قياسه الفاسد [ ص: 454 ] المخالف للنص، واتبع هواه في استكباره عن طاعة ربه تعالى.
فكل في هذا، له نصيب من قوله: من اتبع الظن وما تهوى الأنفس، وترك اتباع الهدى ودين الحق، الذي بينه الله تعالى، وأمر به في كتبه، وعلى ألسن رسله، وفطر عليه عباده، وضرب له الأمثال المشهودة والمسموعة، فهو متبع لإبليس لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين [ص: 85] كما قال أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. ولهذا جاء في الحديث الذي رواه محمد بن سيرين: وغيره عن الترمذي علي «من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله [ ص: 455 ] الله» وقد قال تعالى لما أهبط عن النبي صلى الله عليه وسلم في نعت القرآن: آدم: فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى [طه: 123-124] فأخبر أن من اتبع هداه الذي جاء من عنده، فإنه لا يضل ولا يشقى، كما قال: الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون [البقرة: 1-5] فإن الهدى ضد الضلالة، والفلاح ضد الشقاء، وقد قال من قال من السلف: (المفلحون) الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من ما منه هربوا.
ولهذا أمرنا أن نقول في كل صلاة: [ ص: 456 ] اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين [الفاتحة: 6-7] فإن المغضوب عليهم هم أهل الشقاء. والضالون أهل الضلال. وهم الذين اتبعوا هداه فلم يضلوا ولم يشقوا، بل أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون، وقال أيضا: إن المجرمين في ضلال وسعر [القمر: 47] و «السعر» من أعظم الشقاء. وهذا باب واسع.