الوجه الرابع عشر: أن قولك عن الحنابلة وغيرهم أنهم التزموا الأجزاء والأبعاض؟ أو ما هو في معناه في اصطلاح المتكلمين أو بعضهم؟
أما الأول: فإن لفظ الأجزاء والأبعاض، إذا أريد به أنه يتجزأ أو يتبعض التبعيض والتجزئ المعروف بمعنى وقوع ذلك، [ ص: 282 ] كما تتجزأ وتتبعض الثياب واللحم، وغيرها، كأبدان الحيوان، وكما يتجزأ ويتبعض الحيوان والثمار والخشب والورق ونحو ذلك، وكما يتجزأ ويتبعض الحيوان بخروج المني وغيره من الفضلات منه، ومن ذلك يولد شبهه منه بانفصال جزء منه، كمني الرجل ومني المرأة ودمها، فهذا يمتنع باتفاق المسلمين; ولم يقل أحد من الحنابلة، بل ولا أحد من المسلمين، فيما علمناه، أنه يتجزأ ويتبعض بهذا المعنى. وكذلك لم يقولوا: أنه يمكن تجزئته وتبعيضه، كما يمكن تبعيض الجبال ونسفها، وكما يمكن انشقاق السماء وانفطارها عند المسلمين وغيرهم، ممن يؤمن بالقيامة الكبرى -وإن كان ذلك غير ممكن عند من أنكر ذلك من المشركين والصابئين من الفلاسفة وغيرهم- فالأجسام المخلوقة يقدر الله على أن يجزئها ويبعضها فيفرقها ويمزقها، وهي في العادة ثلاثة أقسام:
أحدها: الأجسام اللينة الرطبة، التي تقبل التجزئة بسهولة.
والثاني: الأجسام اليابسة الصلبة، التي تقبل التجزؤ بقوة. [ ص: 283 ]
والثالث: ما لم تجر العادة بتجزئته، ولكن يعلم قبوله للتجزئ. ولم يقل أحد من المسلمين أن الخالق سبحانه يمكن أن يتفرق وينفصل بعضه من بعض، بل هو أحد صمد.