فهو الكون كله وهو الواحد الذي قام كوني بكونه
ولذا قلت يغتذي فوجودي غذاؤه
وبه نحن نحتذي فبه منه إن نظرت
بوجه تعوذي
وهم الناظرون في لب الشيء الذي هو المطلوب من الشيء، فما سبق مقصر مجدا، كذلك لا يماثل له أجير عبدا، وإذا كان الحق وقاية للعبد بوجه، والعبد وقاية للحق بوجه، فقل في الكون ما شئت إن شئت قلت: هو الخلق، وإن شئت قلت: هو الحق، وإن شئت قلت: هو الحق الخلق، وإن شئت قلت: لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه، وإن شئت قلت بالحيرة في ذلك، فقد بانت المطالب بتعيينك [ ص: 112 ] المراتب، ولولا التحديد ما أخبرت به الرسل بتحول الحق في الصور، ولا وصفته بخلع الصور عن نفسه:
فلا تنظر العين إلا إليه ولا يقع الحكم إلا عليه
فنحن له وبه في يديه وفي كل حال فإنا لديه
وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه يرجع بها إليه، ويطلبه فيها، فإذا تجلى له الحق فيها عرفه وأقر به، وإن تجلى له في غيرها أنكره وتعوذ منه، وأساء الأدب عليه في نفس الأمر، وهو عند نفسه أنه قد تأدب معه، فلا يعتقد معتقد إلها إلا بما جعل من نفسه.
فالإله في الاعتقادات بالجعل فما رأوا إلا نفوسهم وما جعلوا فيها، فانظر مراتب الناس في العلم بالله تعالى هو عين [ ص: 114 ] مراتبهم في وقد أعلمتك بالسبب الموجب لذلك، فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص، وتكفر بما سواه، فيفوتك خير، بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه، فكن في نفسك هيوليا لصور المعتقدات كلها فإن الله تعالى أوسع وأعظم أن يحصره عقد دون عقد، فإنه يقول: الرؤية يوم القيامة، فأينما تولوا فثم وجه الله وما ذكر أينا من أين، وذكر أن ثم وجه الله، ووجه الشيء حقيقته، فنبه بهذا قلوب العارفين؛ لئلا تشغلهم العوارض في الحياة الدنيا عن استحضار مثل هذا، فإنه لا يدري العبد في أي نفس يقبض، فقد يقبض في وقت غفلة فلا يستوي مع من قبض على حضور، ثم إن العبد مع علمه بهذا يلزم في الصور الظاهرة، والحال المقيدة التوجه بالصلاة إلى شطر المسجد الحرام، ويعتقد أن الله تعالى في قبلته حال صلاته، وهو بعض مراتب وجه الحق من فأينما تولوا فثم وجه الله فشطر المسجد الحرام منها، ففيه وجه الله، ولكن لا تقل: هو هنا فقط [ ص: 115 ] بل قف عندما أدركت، والزم الأدب في استقبال شطر المسجد الحرام، وألزم الأدب عدم حصر الوجه في تلك الأينية الخاصة، بل هي من جملة أينيات ما تولى متول إليها، فقد بان لك عن الله أنه في أينية كل وجهة، وما ثم إلا الاعتقادات، فالكل مصيب، وكل مصيب مأجور، وكل مأجور سعيد، وكل سعيد مرضي عنه وإن شقي زمانا ما في الدار الآخرة، فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء، أهل حق في الحياة الدنيا، فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، ومع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم، فيكون نعيمهم راحتهم عند وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان».
[ ص: 116 ] فهذا بعض كلامهم في باب الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، وهو أقرب شيء إلى كلام القرامطة الباطنية، لكن هؤلاء دخلوا من باب التصوف والتحقيق والكشوف، وأولئك دخلوا من التشيع وموالاة أهل البيت، وما لهم من علوم الأسرار.
وكلاهما من أكفر خلق الله وأعظمهم نفاقا وزندقة [ ص: 117 ] وتبديلا لدين الإسلام وتحريفا للكلم عن مواضعه، وليس المقصود هنا وصف أنواع كفرهم، ولكن المقصود الإخبار بأنهم جعلوا ما أخبرت به الرسل من أن الله يجيء يوم القيامة في صورة أصلا في أن كل صورة في العالم فالله هو الآتي فيها، وأنه الظاهر في صورة الموجودات بل هو عينها.
وقال أيضا في «حكمة إيناسية في كلمة إلياسية» بعد أن ادعى أن المؤثر وإن كان الحق والمؤثر فيه هو العالم، فالمؤثر فيه واحد من جهة الحقيقة، ثم قال: «ومن ذلك قوله تعالى: ابن عربي ادعوني أستجب لكم قال الله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان الآية [البقرة: 186] إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه وإن كان عين الداعي عين المجيب، فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك، وتلك الصور كلها كالأعضاء لزيد، فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله ولا رأسه ولا عينه ولا حاجبه، فهو الكثير [ ص: 118 ] الواحد الكثير بالصور، الواحد بالعين، وكالإنسان واحد بالعين بلا شك، ولا شك أن عمرا ما هو زيد ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا، فهو وإن كان واحدا بالعين فهو كثير بالصور والأشخاص، وقد علمت قطعا إن كنت مؤمنا أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة، فيعرف، ثم يتحول في صورة فينكر، ثم يتحول عنها في صورة فيعرف، وهو هو المتجلي ليس غيره في كل صورة، ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى، فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه فأقر به، وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره كما يرى في المرآة صورته وصورة غيره، فالمرآة عين واحدة والصور [ ص: 119 ] كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة، مع كون المرآة لها أثر في الصورة بوجه، وما لها أثر بوجه.
وكلامهم وإن اشتمل على أنواع عظيمة من الشرك الأكبر والكفر الأعظم فهم في هذا الحديث ضلوا من وجوه:
أحدها: أنهم جعلوا إتيان الله يوم القيامة عباده في الصور غير الصور التي يعرفونها، ثم في الصور التي يعرفونها، هو من جنس جميع الصور الموجودة في الدنيا والآخرة؛ حيث اعتقدوا أنه الظاهر في كل صورة حتى صور الكلاب والخنازير، كما حدثني من كان مع رجلين من طواغيتهم مرا بكلب ميت أجرب، فقال أحدهما للآخر: وهذا أيضا ذاتي؟ فقال: وهل ثم شيء يخرج منها؟!
[ ص: 120 ] وكما سمعت وأنا صغير رجلا كان من شياطينهم، ولم يكن إذ ذاك أنه منهم ولا يعرف مذهبهم، بل كان يتكلم في أمور، وكان له ذكاء، وكان من كلامه أنه حكى عن شيخ عظمه أنه قال لرجل يقول: يا حي يا قيوم، ويكرر ذلك، ويلهج به، كما يحصل لمن غلبه الذكر والدعاء لمن غلب عليه ذلك، فقال له: لا فرق بين قولك: يا حي أو يا حجر، فإن الحاء في الاسمين، وكلاهما يوجب حركة النفس وقوتها، وكلاما من هذا النوع -بعد عهدي عنه- لكن علمت فيما بعد أن مقصوده أنه ما ثم سوى الوجود، فالحجر وغير الحجر سواء.
والمقصود بهذا الذكر أن النفس يحصل لها بذلك حركة، وتقوى بذلك كما يقوى البدن بمعالجة الأعمال، لا أن هناك ما يدعوه هو الحي القيوم غير هذا العالم.
الثاني: أنه في حديث القيامة قد أخبر أنه يأتي المسلمين بعد ذهاب الكفار من المشركين وأهل الكتاب مع آلهتهم، وعلى قول هؤلاء يأتي في تلك الآلهة التي عبدها المشركون، وهم الكفار من المشركين وأهل الكتاب العابدون لها، وهو عندهم [ ص: 121 ] العجل الذي عبد أصحاب العجل، كما قال إمامهم، إمام الضلالة، صاحب «الفصوص» في الفص النوحي «ومكروا مكرا كبارا» لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو؛ لأنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية «أدعو إلى الله» فهذا عين المكر «على بصيرة» فنبه أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم.
فجاء «المحمدي» وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته، وإنما هي حيث أسماؤه، فقال: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا [مريم: 85] فجاء بحرف الغاية، وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين، فقالوا في مكرهم: ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا [نوح: 23] فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء؛ فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله من المحمديين وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه [الإسراء: 23] أي: حكم، فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وأن [ ص: 122 ] التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره؛ ولهذا قال: قل سموهم [الرعد: 33] فلو سموهم لسموهم حجارة وشجرا وكوكبا، ولو قيل لهم: من عبدتم؟ لقالوا: إلها، ما كانوا يقولون: الله، ولا الإله الأعلى، ما تخيل. بل قال: هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه، فلا يقتصر، فالأدنى صاحب التخيل، يقول: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [الزمر: 3] والأعلى العالم يقول: فإلهكم إله واحد فله أسلموا [الحج: 34] حيث ظهر وبشر المخبتين الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا: إلها، ولم يقولوا طبيعة».
وقال في الفص «الهاروني» وقد ذكر قصة العجل قال: «فكان موسى -عليه السلام- أعلم بالأمر من هارون؛ لأنه علم ما عبده أصحاب العجل لعلمه أن الله قد قضى [ ص: 123 ] ألا يعبد إلا إياه، وما حكم الله بشيء إلا وقع، فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه، فإن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء، فكانموسى يربي هارون تربية علم وإن كان أصغر منه في السن؛ ولذا لما قال له هارون ما قال رجع إلى السامري فقال له: فما خطبك يا سامري [طه: 95] يعني: فيما صنعت من عدولك إلى صورة العجل على الاختصاص» إلى أن قال: «فكان عدم قوة إرداع هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل كما سلط موسى -عليه السلام- حكمة من الله ظاهرة في الوجود ليعبد في كل صورة، وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك فما ذهبت إلا بعدما تلبست عند [ ص: 123 ] عابدها بالألوهية؛ ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلا وعبد، إما عبادة تأله، وإما عبادة تسخير، فلا بد من ذلك لمن عقل، وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد، والظهور بالدرجة في قلبه؛ ولذلك تسمى الحق لنا برفيع الدرجات، ولم يقل: رفيع الدرجة، فكثر الدرجات في عين واحد، فإنه قضى ألا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة، أعطت كل درجة مجلى إلهيا عبد فيها، وأعظم مجلى عبد فيه وأعلاه الهوى كما قال: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه [الجاثية: 23] وهو أعظم معبود فإنه لا يعبد شيء إلا به، ولا يعبد هو إلا بذاته، وفيه أقول:
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ولولا الهوى في القلب ما عبد الهوى
[ ص: 125 ] والضلالة الحيرة؛ وذلك أنه لما رأى هذا العابد ما عبد إلا هواه بانقياده لطاعته فيما يأمره به من عبادة من عبده الأشخاص حتى إن عبادته لله كانت عن هوى أيضا؛ لأنه لو لم يقع له في ذلك الجانب المقدس هوى وهو الإرادة بمحبة ما عبد الله، ولا آثره على غيره، وكذلك كل من عبد صورة ما من صور العالم، واتخذها إلها ما اتخذها إلا بالهوى.
والعابد لا يزال تحت سلطان هواه، ثم رأى المعبودات تتنوع في العابدين، وكل عابد من امرئ ما يكفر من يعبد سواه، والذي عنده أدنى تنبه يحار لاتحاد الهوى، بل لأحدية الهوى، فإنه عين واحدة في كل عابد، فأضله الله أي حيره على علم، بأن كل عابد ما عبد إلا هواه [ ص: 126 ] ولا استعبده إلا هواه، سواء صادف الأمر المشروع أو لم يصادف.
قال: والعارف المكمل من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد فيه؛ ولذلك سموه كلهم إلها مع اسمه الخاص بحجر أو شجر أو حيوان أو إنسان أو كوكب أو ملك.
الوجه الثالث: أنه قد أخبر أنه وعلى زعم هؤلاء المشركين الملحدين المنافقين الذين كانوا يسجدون له في الدنيا: المسجود له والمؤمنون والمنافقون وجميع تلك الصور صورة له لا فرق أصلا. إذا تجلى لهم يوم القيامة في الصورة التي يعرفون سجد له المؤمنون كلهم، وتبقى ظهور المنافقين الذين كانوا يسجدون له في الدنيا رياء وسمعة كالطبق،
الوجه الرابع: أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه قال: وفي الأحاديث المتقدمة أن [ ص: 127 ] المسلمين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم هل يرى في الآخرة ولا يرى في الدنيا كما روى «لن تروا ربكم حتى تموتوا» عن الخلال حنبل قال: سمعت يقول: أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- «إن الله لا يرى في الدنيا، والآخرة مثبت في القرآن وفي السنة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين».
وعلى زعم هؤلاء فهو دائما يرى في الدنيا ولا يمكن أن [ ص: 128 ] يرى في الآخرة إلا كما رئي في الدنيا، لا يرى إلا في صورة الموجودات، كما قال صاحب الفصوص في الفص الشيثي: «فأما المنح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي، والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى له، غير ذلك لا يكون، فإذا المتجلى له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق، ولا يمكن أن يراه، مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه، كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها، لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور، أي صورتك إلا فيها، فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلى له أنه ما رآه وما ثم مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا. واجهد في نفسك عندما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة، حتى إن بعض من أدرك مثل هذا في صورة المرآة ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة، وهذا أعظم ما قدر عليه من العلم والأمر، كما قلناه وذهبنا إليه، وقد بينا هذا في [ ص: 129 ] «الفتوحات المكية» وإذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق، فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدرج، فما هو ثم أصلا وما بعده إلا العدم المحض».
ومثل هذا كثير في كلامه، يصرح بأنه لا يمكن أن يرى إلا كما يرى في الدنيا، وقد صرح بأنه ما بعد وجود المخلوقات إلا العدم المحض، فصرح بعدم الخالق الذي خلق المخلوقات، وإذا كان هذا قولهم فمن المعلوم أن الأحاديث المتقدمة في تجليه في الصورة وغيرها من أحاديث الرؤية كلها تبين أنهم يرون ربهم كما يرون الشمس والقمر، وتلك الرؤية تكون خاصة في أمكنة وأوقات خاصة إذا تجلى لهم.
وقد صرحت النصوص النبوية أنهم لا يرونه في الدنيا وهذا [ ص: 130 ] كله من أبين الأشياء في أن احتجاجهم بحديث الصورة ونحوه من أعظم الاستهزاء بآيات الله، لما بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم من المناقضة والمعاداة كيف وهو عندهم هو كل راء، وكل مرئي، فكيف يكون ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم موافقا لهم.
الوجه الخامس: أن الأحاديث مع آيات القرآن أخبرت بأنه يأتي عباده يوم القيامة على الوجه الذي وصف، وعند هؤلاء هو كل آت في الدنيا والآخرة.
وأما أهل الاتحاد والحلول الخاص كالذين يقولون: بالاتحاد أو الحلول في المسيح، أو أو بعض المشائخ، أو بعض الملوك، أو غير ذلك مما قد بسطنا القول عليهم في غير هذا الموضع - فقد يتأولون أيضا هذا الحديث كما تأوله [ ص: 131 ] أهل الاتحاد والحلول المطلق؛ لكونه قال: علي، لكن يقال لهم: لفظ الصورة في هذا الحديث كسائر ما ورد من الأسماء والصفات التي قد يسمى المخلوق بها على وجه التقييد، وإذا أطلقت على الله مختصة به مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصير، ومثل خلقه بيديه واستوائه على العرش ونحو ذلك - فهل يجوز لأحد أن يزعم أن الله يحل أو يتحد ببعض الأشخاص كما يزعمه من يتأول هذه الأسماء والصفات له أم يعلم أن ذلك من أفسد الأمور المعلومة بالضرورة؟ وموضع الكلام على هذا هو الكلام على حديث الدجال؛ فإن الدجال أعظم فتنة تكون، وهو يدعي الإلهية، ويظهر على يديه الخوارق، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيه: «فيأتيهم الله في صورة» وقال: «إنه [ ص: 132 ] أعور، إن ربكم ليس بأعور، وهذا المؤسس طعن في هذا الحديث، قال: لأنه لا يحتاج إلى نفي الإلهية عن الدجال إلى هذا الدليل، ولو علم هذا ما في الأرض من الضلال عند أهل الاتحاد المطلق والمعين لم يقل مثل هذا، فليت يرى المؤمن العالم كيف صار الحق الذي جاءت به الرسل؟ تارة تقابله طائفة بالتكذيب، وتارة يقابلونه بتمثيل غيره به والتسوية بينهما، كما أن المشركين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الرسل. والمرتدون صدقوا برسالة مسيلمة ونحوه من [ ص: 133 ] الكذابين، وجعلوهم مثل رسل الله، كذلك الكفار تارة يجحدون الصانع وما يستحقه من أسمائه وصفاته، وتارة يجعلون له أندادا وأمثالا وأكفاء، ويعدلون بربهم، فهؤلاء في جحود المستكبرين، وهؤلاء في لبس المشركين، وكل من الاستكبار والشرك ضد الإسلام وإن كانا متلازمين كما قد بينا هذا كله في غير هذا الموضع [ ص: 134 ] واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت»