وقد احتج هنا بالحجة المشهورة عند أهل الحساب الناظرين في هيئة الأفلاك والأرض وهي صورتها وشكلها، فإنهم يستدلون على أن الشمس والقمر والكواكب تطلع في مشرق الأرض قبل طلوعها في المغرب، وتغرب في مشرق الأرض قبل غروبها في المغرب، ولهذا يكون أوائل الليل والنهار في المشرق قبل المغرب، وأما أول الشهر فيكون في المغرب قبل المشرق، لأن الشهر هو بظهور الهلال، والهلال يعظم ظهوره بقدر مباعدته الشمس واحتجاب الشمس ليرى نوره، والشمس يتأخر غروبها في المغرب عن غروبها في المشرق، فيبعد بقدر ذلك ما بينها وبين الهلال، فيعظم نوره، وإذا غربت ضعف بسبب البعد الشعاع الذي تحت الهلال، فقوي المقتضي للرؤية وضعف المانع، يستدلون على ذلك بالخسوف، فإنه يمكن الناس أن يرصدوه بالليل في وقت واحد، فيعلمون حدوثه عند أهل المشرق قبل حدوثه عند أهل المغرب، ويعلمون قدره في أقطار الأرض، وليس الاستدلال على ذلك مختصا بخسوف القمر، بل هو ممكن بكسوف الشمس أيضا، بل واقتران الكواكب، [ ص: 27 ] وبكسوف الكواكب أيضا، بل وكل أمر يكون في الفلك في درجة واحدة، فإن كل درجة من درج الفلك تطلع على الجانب الشرقي قبل الغربي، فإذا كان فيها أمر غريب مثل الكسوف والخسوف والقران ونحو ذلك، كان وقته من ليل أو نهار في المشرق قبل وقته بالمغرب، مثل أن يكون عند هؤلاء في أوائل النهار وعند هؤلاء في أواخره، أو عند هؤلاء في أوائل الليل، وعند هؤلاء في أواخره، كان بمنزلة خسوف القمر، ويمكن الاستدلال أيضا بغير ذلك من الأدلة المعروفة.
لكنه لم يستوف الحجة ويظهرها، بل كلامه في ذلك كلام الشادي فإن القدر المرئي من الخسوف عند أهل المشرق لا يجب أن يكون هو القدر المرئي من الخسوف عند أهل المغرب، حتى يقال إن أهل المشرق والمغرب يرون الخسوف في ساعة واحدة، ويكون أول ليل هؤلاء آخر ليل هؤلاء، بل قد يخسف القمر عند قوم دون قوم، وقد يكون الخسوف عند قوم كليا لجميع القمر، وعند بعضهم جزئيا يخسف بعضه، ولكن يشترك أهل المشرق والمغرب إذا اشتركوا فيه في طرفيه فإن يبدأ فيه من جانبه الشرقي وفي الشمس من جانبها الغربي، وإذا بدأ الخسوف في القمر من جانبه الشرقي لا يخسف [ ص: 28 ] حينئذ عند أهل المغرب، وكذلك الخسوف في القمر وقد يكون ضد ذلك. طلوع الشمس وكسوفها