لا يقولون بتماثلها، فالقائلون بأنها أجناس كثيرة مختلفة أبعد عن القول بتماثلها، وقد تقدم حكاية النزاع في ذلك كما حكاه وغيره. الأشعري
إذا ظهر هذا فقوله بعد ذلك: " إذا ثبت هذا فنقول إن كل واحد من تلك الأجزاء البسيطة لا بد وأن يماس كل واحد منها بيمينه شيئا وبيساره شيئا آخر، لكن يمينه مثل يساره وإلا لكان هو نفسه مركبا، وقد فرضناه غير مركب وهذا خلف، وإذا ثبت أن يمينه مثل يساره وثبت أن المثلين لا بد وأن يشتركا في جميع اللوازم لزم القطع بأن ممسوس يمينه يصح أن يصير ممسوس يساره وبالعكس، ومتى صح هذا فقد صح التفرق والانحلال عن تلك الأجزاء، فحينئذ يعود الأمر إلى جواز الاجتماع والافتراق على ذات الله تعالى، وهو محال".
يقال له: عن هذا جوابان: هب أنك قد فرضته جزءا بسيطا لا تركيب فيه بحال، ومثل هذا يقال له فيه إنه لا بد أن يماس بيمينه شيئا وبيساره شيئا آخر فإن هذا يقتضي أن فيه شيئين يمينا ويسارا وهذا يوجب تركيبه، وقد فرضته غير مركب فهذا جمع بين النقيضين.
يوضح ذلك أن مماسته بيمينه شيئا وبيساره شيئا هي من [ ص: 95 ] حجج نفاة الجوهر الفرد فإنهم احتجوا بذلك على جواز انقسام ذلك، فقد تقدم ذكر ذلك في كلامك، وذكرت أن هذا الكلام حجتهم، وإذا كان هذا حجة على نفي الجوهر الفرد لم يصح الاستدلال به مع القول بثبوت الجوهر الفرد وهو الجزء البسيط الذي لا تركيب فيه بحال.
بل يقال لك من رأس قولك: " كل جسم مركب من أجزاء مختلفة في الماهية فلابد وأن ينتهي تحليل تركيبه إلى أجزاء يكون كل واحد منها مبرءا عن هذا التركيب". لا يخلو إما أن تقول بثبوت الجوهر الفرد الذي لا تركيب فيه، أو تقول بأنه فإن قلت بالأول لم يصح أن تقول لا بد وأن يماس بيمينه شيئا وبيساره شيئا آخر. فإن هذا قول بانقسامه وتركيبه إلى أجزاء يكون كل واحد منهما مبرءا عن التركيب، بل يقال: هذا أبدا فيه من التركيب ما يقبل لأجله الانقسام في الكم والكيف، لكن هذا الجواب يصح إذا أراد بالأجزاء البسيطة الجوهر الفرد. ما من شيء من المتحيزات إلا وفيه تركيب يقبل لأجله الانقسام.