[ ص: 219 ] فصل
أما وأئمتها، الذين جعلهم الله أئمة لأهل السنة والجماعة، في العلم والدين، بل المحفوظ عنهم [ ص: 220 ] المتواتر إنكار ذلك وذم أهله، وصرحوا في ذمه بذم هذا الكلام -الجسم والعرض- لا سيما وذمهم لفظ الجسم والجوهر والمتحيز والعرض والمركب ونحوها من الألفاظ الاصطلاحية التي تكلم بها أهل الخصومات من أهل الكم في الاستدلال بمعانيها على حدوث العالم، وإثبات الصانع، والإخبار بها عن الله نفيا وإثباتا، فهذا لا يعرف عن أحد من سلف الأمة للجهمية الذين يتكلمون بهذا الأسلوب ونحوه في حق الله تعالى أضعاف كلامهم، وذمهم للمشبهة، لأن ضررهم أقل، فإن الله بعث الرسل بالإثبات المفصل والنفي المجمل، فأخبروا أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير، وأنه يحب ويبغض، ويتكلم ويرضى ويغضب، وأنه استوى على العرش، وغير ذلك مما أخبرت به الرسل، وقالوا في النفي ما قاله الله: ليس كمثله شيء [الشورى: 11] ولم يكن له كفوا أحد [الإخلاص: 4] هل تعلم له سميا [مريم: 65] فلا تجعلوا لله أندادا [البقرة: 22] وأما أعداؤهم في هذا الباب من المشركين، ومن وافقهم من الصابئين المتفلسفة ونحوهم، فإنهم يأتون بالنفي المفصل والإثبات المجمل، ويطلقون عبارات مجملة، تحتمل نفي الباطل والحق; فيقولون: ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا منقسم، ولا مؤلف ولا مركب، ولا محدود، ولا له غاية ولا انتهاء، ولا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا كذا ولا كذا، حتى ينفوا كل ما يمكن للقلب أن يعلمه، فإذا طلب إثباته، قالوا: وجود مطلق. ونحو ذلك، فأثبتوا ما لا يكون موجودا إلا في الأذهان لا في الأعيان، [ ص: 221 ] والجهمية توافق هؤلاء في النفي، وأما المبتدعة من المشبهة والمجسمة، فإن بدعتهم الزيادة في الإثبات، والكفر والإلحاد، والفساد في ذلك النفي أعظم مما في الزيادة في الإثبات، كما قد بينا هذا في غير هذا الموضع.