فهذا الدليل الذي ذكره على امتناع أن يكون شيء من الأجسام واحدا أو على امتناع أن يكون شيء من الموجودات واحدا. ومعلوم أن ذلك خلاف الكتاب والسنة وإجماع المسلمين بل إجماع العقلاء، قال الله تعالى: وإن كانت واحدة فلها النصف [النساء: 11] وقال: ذرني ومن خلقت وحيدا [المدثر: 11] والقول بأن هذا واحد عن [ ص: 126 ] الإنسان الواحد والحيوان الواحد والشجرة الواحدة والدرهم الواحد من أشهر الأمور عند العامة والخاصة، ومن أعرف الأمور عند بني آدم وهو من أوائل العلوم البديهية الحسية عندهم وهو ( علم العدد ) وأن الواحد نصف الاثنين.
فلو لم يكن في الأجسام ما يوصف بأنه واحد- والناس لم يشهدوا الأجسام- مع أن العلم بأن الواحد المطلق نصف الاثنين موقوف على أن الواحد في الخارج نصف الاثنين، إذ العلوم الكلية الذهنية مسبوقة بالعلوم المعينة الوجودية، فلو لم يكن في الأجسام ما هو واحد امتنع حكم الذهن بأن الواحد نصف الاثنين. وهذا من أوائل العلوم البديهية التي يضرب بها المثل في النظر والمناظرة، فيكون احتجاجه على أن الجسم لا يكون [ ص: 127 ] واحدا في مقابلة ذلك فيكون من أفسد حجج السوفسطائية لقدحها في أظهر الأمور الحسية البديهية ثم يقال: هذه الحجة تستلزم أن لا يكون الله واحدا، ولا يكون الجوهر الفرد واحدا إلا به. ثم يقال في وحدة ذلك مثل ما قلته في وحدة الجسم، وذلك يستلزم أن تكون الوحدة بالذات وبالجوهر الفرد متوقفا على كونه واحدا. فالكلام في تلك الوحدة كالكلام في الأولى، وذلك يستلزم التسلسل، وهو محال.