وقال الإمام الزاهد العلامة الشيخ أبو محمد المقدسي: «فإن وجعله [ ص: 216 ] مغروزا في طباع الخلق أجمعين، فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم، ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم، وينتظرون مجيء الفرج من ربهم، وينطقون ذلك بألسنتهم، لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته، أو مفتون بتقليده واتباعه على ضلالته» قال: «وأنا ذاكر في هذا الجزء بعض ما بلغني من الأخبار في ذلك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، والأئمة المقتدين بسنته، على وجه يحصل به القطع واليقين بصحة ذلك عنهم، ويعلم تواتر الرواية بوجوه منهم، ليزداد من وقف عليه من المؤمنين إيمانا، وينتبه من خفي عليه ذلك، حتى يصير كالمشاهد له عيانا، ويصير للمتمسك بالسنة حجة وبرهانا، واعلم رحمك الله أنه ليس من شرط صحة التواتر، الذي يحصل به اليقين، أن يوجد عدد التواتر في خبر واحد، بل متى نقلت أخبار كثيرة، في معنى واحد، من طرق يصدق بعضها بعضا، ولم يأت ما يكذبها، أو يقدح فيها، حتى استقر ذلك في القلوب واستيقنته، فقد حصل التواتر فيها، [ ص: 217 ] وثبت القطع واليقين، فإنا نتيقن جود حاتم، وإن كان لم يرد بذلك خبر واحد مرض الإسناد، لوجود ما ذكرنا، وكذلك عدل الله وصف نفسه بالعلو في السماء، ووصفه بذلك رسوله محمد خاتم الأنبياء، وأجمع على ذلك العلماء من الصحابة الأتقياء، والأئمة من الفقهاء، وتواترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين، وجمع الله عليه قلوب المسلمين، وشجاعة عمر وعلم علي، وأنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وابنة عائشة، أبي بكر، وأشباه هذا، لا يشك في شيء من ذلك، ولا يكاد يوجد تواتر إلا على هذا الوجه، فحصول التواتر واليقين في مسألتنا مع صحة الأسانيد، ونقل العدول المرضيين، وكثرة الأخبار وتخريجها فيما لا يحصى عدده، ولا يمكن حصره في دواوين الأئمة والحفاظ، وتلقي الأمة لها بالقبول وروايتهم لها، من غير معارض يعارضها ولا منكر، لمن يسمع منه شيء منها، أولى، لا سيما وقد جاءت على وفق ما جاء في القرآن العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد [فصلت: 42] قال الله تعالى: ثم استوى على العرش [الأعراف: 54] في مواضع من كتابه، وقال: أأمنتم من في السماء [ ص: 218 ] [الملك: 16] في موضعين وقال: إليه يصعد الكلم الطيب [فاطر: 10] وقال سبحانه: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه [السجدة: 5] وقال تعالى: تعرج الملائكة والروح إليه [المعارج: 4] وقال لعيسى: إني متوفيك ورافعك إلي [آل عمران: 55] وقال تعالى: بل رفعه الله إليه [النساء: 158] وقال تعالى: وهو القاهر فوق عباده [الأنعام: 18] وقال تعالى: يخافون ربهم من فوقهم [النحل: 50] وأخبر عن فرعون أنه قال: يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا [غافر: 36-37] يعني: أظن موسى كاذبا في أن له إلها في السماء. والمخالف في هذه المسألة قد أنكر هذا يزعم أن موسى كاذب في هذا بطريق القطع واليقين، مع مخالفته لرب العالمين، وتخطئته لنبيه الصادق الأمين، وتركه مذهب الصحابة والتابعين، والأئمة السابقين، وسائر الخلق أجمعين».