فاحتج بما يعلم بالاضطرار أنه ليس في الأجواف والحشوش، وخص بطن أبو الحسن مريم بالذكر، لأن ذلك مشاركة للنصارى الذين يقولون إن الله حل في بطن مريم لما تدرع اللاهوت بالناسوت، مع أن هذا حين يقوله علماء النصارى لعامتهم تنكره فطرتهم وتدفعه عقولهم لما يجدون في أنفسهم من العلم الضروري بنفي ذلك؛ فإنهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه" وهذه حال هؤلاء فالنصارى مولودون على الفطرة التي تنكر ذلك، ولكن الدين الذي وجدوا عليه آباءهم هو الذي أوجب تغيير فطرتهم. الجهمية أجمعين، فما منهم من أحد إلا حين يذكر [ ص: 78 ] قول الجهمية تنكره فطرته، وترده ضرورة عقله؛ لكن يتبع سادته وكبراءه في خلاف طاعة الرسول، حتى يغيروا فطرته، لأجل المذهب الذي وجد عليه أباه وأمه أو من يجري مجرى ذلك من سيد مالك أو معلم أو نحو ذلك.
وهم -أعني متكلمة الصفاتية- أخذوا ما أخذوه من هذه الحجج عن السلف والأئمة؛ وإن كان في كلام السلف والأئمة مالم يهتد إليه هؤلاء من التحقيق.