الوجه الخامس: أنه إذا كان جسما فأنت قد ذكرت في نهايتك بعد اتفاقهم على قبولية الانقسام، وهي مسألة: " الجوهر الفرد " فقلت في مسائل المعاد: " المسألة الأولى في الجزء الذي لا يتجزأ: لا شك في أن الأجسام التي شاهدناها قابلة للانقسامات والانقسامات التي يمكن حصولها فيها إما أن تكون متناهية أو لا تكون، فيخرج من هذا التقسيم أربعة [ ص: 122 ] أقسام: أولها: أن الانقسامات حاصلة وتكون متناهية. وثانيها: أن تكون حاصلة وتكون غير متناهية. وثالثها: أن لا تكون حاصلة ولكن ما يمكن حصوله منها يكون متناهيا. ورابعها: أن لا تكون حاصلة ولكن ما يمكن حصوله منها يكون غير متناه. قال: " والأول مذهب جمهور المتكلمين. والثاني: هو مذهب النظام. والثالث: هو مذهب بعض المتأخرين - وهذا [ ص: 123 ] الذي أشار إليه- هو النزاع بين الناس في " الجسم " هل هو في نفسه واحد أو منقسم والرابع: وهو مذهب الشهرستاني. الفلاسفة".
قال: فتلخص من هذا أن الخلاف بيننا وبين الفلاسفة في هذه المسألة يقع في مقامين: أحدهما أن الجسم مع كونه [ ص: 124 ] قابلا للانقسام هل يعقل أن يكون واحدا؟ وثانيها: أنه بتقدير أن يكون هل يعقل أنه يكون قابلا للانقسامات الغير المتناهية؟ قال: " فنحن نتكلم في كل واحد من القسمين ثم نذكر بعده شبه النفاة ونتكلم عليها".
قال: " والمعتمد في أن ما يكون قابلا للانقسام لا بد أن يكون منقسما هو أن وحدة الجسم إما أن يكون غير كونه جسما، أو جزءا داخلا فيه، أو أمرا خارجا عنه. فإن كان الأول أو الثاني لزم أن يكون تفريق الجسم إعداما له، وذلك محال. وإن كان الثالث كانت الوحدة صفة قائمة بالجسم، والعرض لا يحدث في المحل، ولا يحصل فيه إلا إذا كان المحل متعينا متميزا عن غيره، ولا يعقل من وحدته إلا تعينه في نفسه وتميزه عن غيره، فيلزم أن يكون قيام الوحدة بالجسم متوقفا على كون الجسم واحدا، ثم الكلام في تلك الوحدة كالكلام في الأول، ويلزم التسلسل وهو محال. وبتقدير إمكانه فلا بد أن [ ص: 125 ] ينتهي إلى وحدة تقوم بالذات لا بتوسط وحدة أخرى، وإلا لم تكن الذات موصوفة بالوحدة أصلا، وذلك هو المطلوب.